صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تحفيز الاقتصاد عبر المشاريع والاستثمار

التطورات المالية التي شهدها العالم على مدى الاسبوع المنصرم هي بمثابة دعوة للصحوة للإنتباه من فقاعات الأسواق المالية والتي سيطر عليها مؤخرا فقاعة ما يسمى بالعملات الرقمية، والتي اتضح انها وسائل مضاربة مسمومة، وان لا علاقة لها بتطوير الأسواق أو أدوات التسويات المالية الرقمية أو حتى رقمنة العمليات التجارية. اليوم أمام العالم صحوة اقتصادية جديدة تتعلق بالإستثمار في الاقتصاد الحقيقي سواء أكان صناعيا أو زراعيا او عقاريا أو حتى خدميا، بما في ذلك قطاعات الخدمات المعروفة في مجالات السياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وقد بات الحديث عن الثورة الصناعية الرابعة كمحدد ومقوم اساس لتحفيز التفكير بالربط العضوي بين مستويات الرقمنة الفضائية أو الرقمنة السحابية وآليات العمل الحقيقية للاقتصاد العالمي. إن منطق الأمور تتحدث اليوم عن محفزات أساسية تجعل من الاقتصاد العالمي وحدة واحدة تتداخل معطياتها وتطوراتها بشكل سريع، ولعل إنعكاس التطورات الأخيرة على الأسواق المالية العالمية وإنعكاسها على أسواق المنطقة هو دليل واضح على أن العالم يتداخل عضويا بشكل متسارع. بيد ان الإرتباط بالاقتصاد العالمي والأسواق العالمية لا يمنع أي دولة في العالم من ان تصمم سياساتها الداخلية بما يخدم أهدافها التنموية أو أن تستفيد من التطورات العالمية في دعم سياسات التنموية الداخلية، كما أن تطو رات السياسة الاقتصادية العالمية لا يحتم بأي شكل من الأشكال الإنصياع لما تشهده الأسواق العالمية من تطورات سلبية أو الاعتقاد بأن الأثار الإيجابية العالمية ستنعكس بالضرورة على الاقتصاد المحلي بشكل تلقائي. ومن هنا فإن الاقتصادات في العالم، وخاصة الاقتصادات الصغيرة غير المؤثرة عالميا، مطالبة بصياغية سياسات داخلية ذات بعدين اساسين، الأول سياسات تساعد على تحفيز الاقتصاد وتحقيق أهدافه في مجال التوظيف ومكافحة الفقر وتحسين بنية الاقتصاد التحتية والفوقية، والبعد الثاني محاولة استقطاب الأثار الايجابية العالمية نحو الاقتصاد بهدف تحسين مستويات النمو الاقتصادي.
هذه المقدمة الطويلة نسبيا هدفها القول أن الاقتصادات الصغيرة، مثل الاقصاد الاردني، عليه ان يعطي الأولوية الى سياساته الداخلية عند التخطيط للتنمية وأن يسعى الى تطوير إمكاناته الداخلية لتحريك عجلة اقتصاده بالرغم من الآثار السلبية التي قد تتركها معطيات الأوضاع الاقتصادية الإقليمية أو العالمية. ومن هنا فالاقتصاد الاردني، بعد أن انهى متطلبات تصويب الدعم ورفع الاسعار وزيادة الضرائب، بحاجة ماسة الى سياسات اقتصادية توسعية تتواءم مع مفهوم تحقيق تنمية وخلق وظائف واستغلال امكانات المحافظات المختلفة. إن التوقف عند السياسات المالية الانكماشية لن يساعد على حل المشكلات المستقبلية وخاصة في مجال البطالة والفقر وتعثر النمو، لا بل إن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سنتعامل مع عجز الموازنة للعام القادم 2019، هل سنطلب برفع الضرائب اكثر بعد ان انتهى اي دعم نقدي حقيقي؟ اعتقد أن المطلوب هو تحريك حقيقي عبر ممكنات اقتصادية داخلية. ولعل إعادة احياء صندوق الاستثمار الاردني الذي تم إنشاؤه وفقا لقانون خاص عام 2016، كصندوق استثمار سيادي وطني تشكل المخرج الأول في تحفيز النمو وحقن الاقتصاد بفرص للنمو الذاتي. الصندوق بحاجة الى رأسمال تأسيسي محلي يمكن تدبيره عبر سندات تنمية متوسطة أو طويلة الأمد، وهو أمر يمكن تدبيره عبر طرح سندات تنموية استثمارية بمبلغ لا يقل عن 500 مليون دينار يتم توجيهها الى مشاريع استثمار محلية كبرى تتوزع في ثلاث مجالات اساسية: المجال الأول البنية التحتية والمقاولات والمجال الثاني تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة للشباب والمجال الثالث تمويل مشاريع المحافظات من خلال الخارطة الاستثمارية لتلك المحافظات. توفير المبلغ من السهولة بمكان في ظل الفوائض المتاحة في المصارف ومن خلال استثمارات صندوق الضمان، حيث أن الصندوق الاستثماري سيوفر دخل ثابت افضل بالضرورة من ما توفره الودائع البنكية، ويمكن توفير ضعف المبلغ في حال تم طرح السندات للاكتتاب العام أو للاكتتاب الخارجي على أن لا تقل فترة تلك السندات عن 10 سنوات لضمان تشغيل الاموال وتحقيق عوائد للصندوق تمكن من سداد الفوائد من جهة وتساعد على تسديد اصل السندات بعد انقضاء الفترة، ويمكن تدوير السندات التنموية عند استحقاقها بسندات جديدة طالما أن الصندوق يعمل وفقا لفكر استثماري تجاري بحت. الاقتصاد الأردني بحاجة الى حلول استثمارية غير تقليدية والصندوق يعتبر احدها وعلينا أن لا نترك هذه الفرصة دون استغلال. وهذا بالضرورة لا يعني التوقف عن المشاريع الرئيسية التي من اجلها تم انشاء الصندوق، وخاصة ما يتعلق بخط النفط العراقي الى العقبة، أو مشاريع شبكة السكك الحديدية، أو الربط الكهربائي مع السعودية، أو مشروع المطل السياحي في منطقة العقبة، وذلك عبر مشاريع تنموية استثمارية مشتركة مع صناديق سيادية في السعودية أو الإمارات أو العراق. النافذة الأخرى التي يمكن التفكير بها تكمن في ضرورة إعادة احياء مشروع تطوير مصفاة البترول بعد غياب طويل منذ العام 2010 وهو مشروع حيوي يمكن اجتذاب استثمارات دولية كبرى له وفق مفهوم البناء والتشغيل وإعادة التملك BOT. الشاهد مما سبق أن الاقتصاد الاردني بحاجة الى حلول غير تقليدية تساعد على اعادة تدوير الاستثمارات في الاقتصاد وتؤدي الى خلق شريحة واسعة من الوظائف والمشاريع التي بدورها ستسهم في توليد ضرائب جديدة من الوظائف والمشاريع الجديدة وليس عبر زيادة الضرائب لأن ذلك لم يعد مجديا كما أنه لم يعد ممكنا بعد اليوم. الحقيقة الوحيدة المقبولة اليوم هي ان حلول البطالة والفقر ترتكز فقط في توليد مشاريع جديدة وتحويل الطاقات العاطلة الى طاقات عاملة وهذا بدوره يعني تحويل العاطل عن العمل الى شخص قادر على دفع الضرائب وبالتالي توسيع ذاتي لقاعدة دافعي الضرائب، فزيادة الضرائب قد تؤدي الى زيادة ايرادات الحكومة وقد لا تؤدي الى ذلك أما الوظائف وجذب الاستثمارات فهي وسيلة مضمونة للنمو ولزيادة الضرائب ولتحسين مستوى المعيشة ومكافحة البطالة والفقر وتحسين مستويات معيشة الفقراء ومتوسطي الدخل وهو ما نحن بجاجة ماسة اليه اليوم.

التعليقات مغلقة.