صحيفة الكترونية اردنية شاملة

اميركا تفقد نفوذها في المنطقة

0

لعل الدرس الأهم في تحولات الأزمة السورية، وخاصة في الاسابيع الأخيرة، هو ان الولايات المتحدة تفقد السيطرة على مجريات الاحداث ليس فقط في سوريا وانما في العديد من دول المنطقة. بعد ان سحب الرئيس اوباما اسطوله من قبالة السواحل السورية مغلقا الباب على خيار التدخل العسكري، وقبلت واشنطن، بالحاح من روسيا، بنزع اسلحة دمشق الكيماوية واللجوء الى حل سياسي غامض يعقد تحت عنوان “جنيف 2″، تغيرت الموازين على الساحة واطلقت يد قوات النظام ليحقق انتصارات مهمة في الغوطة وضواحي دمشق اضافة الى منطقة القلمون. وهاهو يستعد الآن لضرب قوات المعارضة في حلب مدعوما بمقاتلين من ايران وحزب الله.

رغم ان الموقف الاميركي الرسمي يصر على انتفاء شرعية الرئيس بشار الأسد، فان تسريبات اخيرة تشير الى ان واشنطن ابلغت المعارضة السورية بأن مصير الأسد لن يناقش في المراحل الأولى من تسوية جنيف. هذا يؤكد ان واشنطن لا تملك خيارات واضحة في سوريا، في الوقت الذي تتخلى فيه عن الجيش السوري الحر وتحاول فتح حوار مع الجبهة الاسلامية التي تمثل فصائل اسلامية سنية “معتدلة” تحظى بدعم خليجي في مواجهة مجموعات اسلامية متطرفة وذات صلة بالقاعدة.

ما الذي تريده واشنطن اذن؟ بل وما الذي تستطيع ان تفعله؟ الحل السياسي بعيد والهوة الفاصلة بين المعارضة السياسية والنظام شاسعة جدا. وهناك من يرى ان بقاء الأسد في هذه المرحلة ضروري لمواجهة قوى التطرف لأن الخيارات الأخرى، كما طرحها مايكل هايدن، مدير وكالة الاستخبارات الاميركية الأسبق، سيئة للغاية وتشمل تفكك سوريا وتقسيمها.

عجز واشنطن على تسيير الأمور انعكس على علاقتها بحليفاتها في الخليج وعلى راسهم السعودية التي تقول انها ماضية في دعم المعارضة السورية؛ أي معارضة واي فصيل؟، مع او بدون الغرب. ورأينا كيف تحدي النظام العسكري في مصر الادارة الاميركية قبل انفتاحه الأخير على روسيا. كما ان واشنطن فقدت القدرة على التأثير في العراق وها هي تفشل في اقناع الرئيس الأفغاني حامد كرازي بالتوقيع على الاتفاقية الأمنية.

وحتى في الملف الايراني فان طهران تظهر بشكل المنتصر وتفرض شروطها وتنجح في الاحتفاظ بحق التخصيب الذي يثير حنق اسرائيل. وفي الملف الفلسطيني الاسرائيلي لا يبدو ان وزير الخارجية جون كيري قادر على فرض تسوية نهائية تبدو ظالمة للطرف الفلسطيني.

يرى مراقبون في واشنطن ان الادارة الاميركية بدأت تدرك ان الشرق الأوسط لم يعد يحتل الأهمية الاستراتيجية التي احتفظ بها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وان اهتمام اميركا الآن منصب على اعادة التمحور في جنوب وشرق آسيا حيث تزداد القيمة الاستراتيجية والاقتصادية للمنطقة على حساب غيرها. وهناك من يرى بأن اميركا تترك المنطقة في وقت تكون فيه اسرائيل اقوى من ذي قبل. اما بالنسبة للهلال الشيعي والقوس السني الذي يقابله فان واشنطن ليست معنية كثيرا باقتتال دموي ينهك الطرفين طالما ان مصالحها الرئيسية ليست معرضة للخطر.

بعد عقود من الاستئثار بالقرار في الشرق الأوسط تنسحب واشنطن تدريجيا وبشكل فوضوي من المنطقة لتتركها فريسة حروب ونزاعات طائفية ومذهبية واثنية. الفراغ الكبير الذي تخلفه الادارة الاميركية لن تملأه روسيا او الصين ولا حتى الاتحاد الاوروبي الضعيف. المنطقة برمتها معرضة للدخول في مرحلة هلامية من الحروب والنزاعات التي تهدد امنها واستقرارها في المدى المنظور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.