صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ألإستراتيجية الحكيمة: عدم الانجرار…

0

تصريحات الرئيس السوري الأخيرة حول “عدم استقلالية” الأردن ونظرته إليه على أنه “أرض وليس وطن” هي غاية في الاستفزاز والسوء وأقل ما توصف به هو افتقارها للحكمة…. كعادة صاحبها منذ انطلاق الأزمة الكارثية في بلاده قبل حوالي ست سنوات…
والجميع مدرك بأن خطر ما يطلق عليه ب “تنظيم داعش” هو خطر مباشر وآني وقريب للاردن… وأن الأردن لا يألو جهدا في درء خطر هذا التنظيم عن حدوده وشعبه وبكافة الوسائل الدبلوماسية والعسكرية…
ولا أحد يستطيع أن ينكر الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية الحالية من أجل تدخل عسكري ارضي مباشر واسع على الأراضي السورية يحقق لها من ناحية “نصرا داخليا” بعد سلسلة الإخفاقات الداخلية التي منيت بها منذ تبوئها سدة المسؤولية… ومن ناحية أخرى يظهرها بمظهر القوة العظمى صاحبة المبادرة الجادة لإيجاد حل جذري للمعضلة السورية…
بالرغم من كل ذلك فإن ألإنجرار نحو تدخل قوات عسكرية أردنية أرضية في سوريا بشكل واسع سيكون استراتيجية خاطئة جملة وتفصيلا للعديد من الاعتبارات…
فتصريح الرئيس السوري، كباقي تصرفاته وتصريحاته منذ اندلاع الثورة في بلاده، يفتقر للحكمة (لعدم الرغبة بإطلاق وصوفات أخرى عليها أكثر سلبية وحدية) ولا يمت للواقع بصلة، فالمنطق والحكمة تقضيان بأن “رئيسا” لا يسيطر على معظم مساحة وطنه، لا يقوم بمهاجمة بلد عربي جار وشقيق، متهما اياه بانتقاص السيادة!!! بلد شقيق لطالما سعى جاهدا لإنهاء الأزمة السورية بالطرق السلمية وعن طريق الحوار، إلا أن التعنت والعنجهية والأطماع كانت دوما لمحاولاته بالمرصاد… بلد جار وشقيق يمكن أن يكون لذلك الرئيس غير الحكيم طوق نجاة اذا ما أحسن التصرف والتعامل معه وحكم العقل والحكمة في ذلك. ولكن هيهات… فمن فطم على سوء التفكير والتقدير لا يمكنه من أن يغير نهجه بسهولة… فتصريحه اذا لا يجب أن ينظر إليه أكثر من تصريح وتصرف أهوج وأخرق آخر… لا أكثر ولا أقل…
ولا أحد ينكر التهديد الآني والمباشر والقريب لما يدعى ب “داعش”… ولكن المواطن العادي الواعي بات يدرك تماما بأن هذه إنما صنيعة استخباراتية، تقودها مجموعة من العملاء وينضم اليها مجموعة من السذج مغسولي الادمغة أو المجرمين قطاعي الطرق هدفها تشويه الدين الحنيف ومحاولة تفتيت الأمة.. فهي بذلك ليس لها أن تخرج عن مخططها المرسوم. .. وستنتهي حتما كما بدأت، فجأة ودون سابق انذار… فالتركيز هنا يجب أن يكون على مكافحة جذور الفكر المتعصب والمتطرف وآثاره داخليا من خلال التوعية والتثقيف المجتمعي التربوي والديني الصحيحة.. وليس بالاجتياحات العسكرية البرية واسعة النطاق..
أما بالنسبة للضغوط الأمريكية من أجل إجراء عمل عسكري مباشر داخل الأراضي السورية فيمكن التعامل معها بحنكة ودبلوماسية من خلال شرح الآثار بالغة الخطورة على الاردن أن هو انجر في هكذا اتجاه… حنكة معهودة وتاريخية للدبلوماسية الأردنية والتي ستكون قادرة حتما على شرح وجهة نظرها والتمسك بها بالرغم من كل الضغوط مهما عظمت.. وكما كانت تقوم به دوما ومنذ اندلاع الأزمة السورية…
استراتجيا فإن دولة كالاردن تعاني من تحديات داخلية جمة وأهمها وأولها الملف الاقتصادي لا يجب أن تنجر وراء مخططات خارج حدودها مهما بلغت الفرص والمغريات من جهة و التهديدات والتحذيرات من جهة أخرى… فالتوجه والتركيز يجب أن ينصب على ترتيب وتقوية الجبهة الداخلية ومعالجة ما تحويه من اختلالات قبل الانجرار وراء مخططات خارجية بدايتها معلومة ولكنها بدون خط نهاية أو “إستراتيجية خروج” واضحة…
وحتى لو تم وضع كل الحجج والمبررات السياسية والعسكرية والاستراتيجية أعلاه، والداعية لعدم التدخل العسكري واسع النطاق، جانبا، فإن هنالك بعدا عربيا قوميا لا يمكن تجاهله أو الاستخفاف به وهو استحالة تقبل العقل والقلب والمنطق بأن يسقط جنود أردنيون وسوريون برصاص أشقائهم وأبناء عمومتهم على الجانب الآخر… كل يستجيب لأمر عسكري من قادته للدفاع عن وطنه ضد “معتد” خارجي… جميع الحجج الواهية التي تحاول حاليا تبرير هكذا تدخل ستتساقط مع أول قطرة دم لشهيد من الجيش العربي يسقط على يد شقيقه السوري… خط أحمر لا يمكن تجاوزه مهما بلغت المسوغات والحجج والمبررات… فبالرغم من سوداوية الواقع الحالي وهمجيته ومرارته، يبقى دم المسلم على المسلم حراما… ويبقى الدم العربي مقدسا ولا يمكن تقبل بأن يسقط في صراع دموي بين أشقاء…
كم كان كل عربي يتمنى لو أن حل المعضلة السورية تم داخل البيت العربي ومنذ سنوات من منطلق قول رسول الله عليه افضل الصلاة والتسليم:” انصر أخاك ظالما أو مظلوما” ومن منطلق “الأخذ على يد الظالم”… فتتحرك الدبلوماسية العربية لتنقذ وطنا وشعبا عربيا من الولوج في المجهول.. تدعمها قوات عربية على الأرض وفي أماكن محددة وبموافقة سورية… أما وقد سحب البساط، فلا يبقى إلا الجهد الدبلوماسي في محاولة إيجاد حل يرضي الأطراف كافة ويحافظ على وحدة أراضي سوريا العروبة…
الإنجرار نحو تدخل عسكري أردني مباشر واسع النطاق في الأراضي السورية هو توجه خاطيء جملة وتفصيلا سياسيا وعسكريا واستراتيجيا وقوميا وحتى منطقيا… وسيكون بمثابة دخول نفق مظلم طويل لا وجود لنور في نهايته… والأردن أكثر حكمة ووعيا وركازة من أن ينجر الى هكذا مخطط…
حفظ الله الأردن عزيزا وقويا ومنيعا. .. وحماه شعبا وأرضاه وقيادة…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.