صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أيهما أولى بترويج الصادرات: كندا أم كينيا؟

تبنت وزارة الصناعة والتجارة وغرفة صناعة الاردن وهيئة الاستثمار توجهاً استراتيجياً باستهداف أسواق رئيسية في شرق افريقيا أبرزها كينيا وأثيوبيا وتنزانيا واعتبارها أسواقاً واعدة للصادرات السلعية الاردنية. العديد من المبادرات الميدانية والأدلة التعريفية والدراسات التحليلية انطلقت من هذا التوجه الرئيسي.

ورغم ان هذا التوجه يشكل بداية محمودة في مجال الجهد الترويجي المركّز، يعتقد الكاتب بأن السوق الكندية ذات القوة الشرائية المرتفعة لا تقل أولوية -ان لم تفوق- عن أسواق شرق افريقيا الصغيرة والمبعثرة. اذ لا يكفي معياراً وحيداً أو معيارين، كالقرب الجغرافي مثلاً، لحسم الاختيارات الاستراتيجية. فالكاتب يرى ان مبدأ الاستهداف الجغرافي للصادرات هو مبدأ صحيح وواعد، لكن العديد من معاييره الموضوعية متعددة الأبعاد تعطي أولوية لأسواق كبيرة ومنفتحة وموحدة وديناميكية ومستقرة مثل السوق الكندية، خصوصاً بعد تطوير التنافسية الصناعية والزراعية للمملكة في أنشطة محددة.

بالطبع، ليس هنالك خلاف حول أولوية دعم الصادرات الوطنية وضرورة فتح أسواق جديدة غير تقليدية، فهذه غايات مجمع عليها. فمن الأولويات الملحة في عام 2018 التركيز على النمو المقاد من قبل القطاع الخاص والموجه نحو الأسواق التصديرية غير التقليدية. هذا سيساهم في توسيع القاعدة الضريبية بشرط مرونة الضريبة، ويعمل بالتأكيد على تعزيز الاحتياطيات الأجنبية من الأنشطة القابلة للمتاجرة، وبالتالي دعم التوازن المالي والنقدي في المملكة.

المسألة قيد البحث هي في تحديد أولويات ومعايير الأسواق المستهدفة كجزء من حقل متخصص هو معلومات وذكاء الأسواق. وتحديد الأولويات هو أمر في غاية الأهمية خصوصاً وأن الطلب العالمي يعاني انكماشاً عاماً (4.0-% عام 2016) وأن عجز الموازنة العامة يضع قيوداً أمام حجم الموارد المالية والبشرية المتاحة لبرامج ترويج الصادرات  في الاردن. فالبرنامج الذي يولد 200 مليون دولار صادرات اضافية من دولتين غنيتين هو أولى من البرنامج الذي يدر 60 مليون دولار من 6 دول فقيرة.

وسيتم الاعتماد في احصاءات هذا المقال على خارطة التجارة الدولية Trade Map وهي احدى أكبر قواعد بيانات التجارة العالمية والتطبيقات التفاعلية المحوسبة، تشمل نحو 220 دولة و5300 سلعة على مستوى تفصيلي (HS6) ومن اعداد مركز التجارة الدولية (ITC). أما نتائج المقال، فقد تم التثبت منها من خلال خارطة امكانيات التصدير Export Potential Map المبتكرة من قبل المركز نفسه. ولضيق المساحة، سيتم التركيز هنا على أبرز نقاط المسألة دون تفاصيلها  وتشعباتها.

لنبدأ بمعيار الانفتاح، حيث منحت اتفاقية التجارة الحرة مع كندا (دخلت حيز التنفيذ نهاية عام (2012 أفضليات جمركية شفافة ومُلتزم بها الى صناعات الاردن، فيما تشير بعض التقارير الى “وعد كيني” بمنح  500 سلعة اردنية معاملة تفضيلية في مجال التعرفة الجمركية.

وبمعيار الحجم، وحسب ترتيب الدول من حيث حجم السوق، تقع كندا ضمن قائمة أكبر 10  اقتصادات عالمية من حيث قيمة المستوردات السلعية وبحجم يفوق 400 مليار دولار في عام 2016. في المقابل، تقع كينيا وأثيوبيا في المرتبة 80  و  79 عالمياً من حيث حجم المستوردات وبقيمة تبلغ 16  مليار دولار، كلاً على حدة، أي اقل من حجم السوق الاردنية الصغيرة نسبياً.

وبمعيار ديناميكية السوق المستهدف، أي متوسط معدل نمو مستورداته خلال السنوات الماضية، تقدّر خارطة التجارة الدولية متوسط معدل النمو في مستوردات السوق الكندية الواسعة خلال الفترة  2016-2012 بواقع 4-% مقابل +1%  و 11+% لكل من كينيا واثيوبيا على الترتيب.

للوهلة الأولى، تقدم هذه الارقام معياراً اضافياً لصالح استهداف الأسواق الافريقية الى جانب معيار القرب الجغرافي والانتماء الى شريحة الدول النامية، لكن هذا غير صحيح عند التعمق في التفاصيل. فهذه الأرقام الاجمالية للنمو في مستوردات كندا تخفي تباينات صارخة على مستوى الدولة الشريكة وعلى مستوى القطاع أو السلعة. فمثلاً، بلغ معدل نمو المستوردات الكندية من الاردن تحديداً خلال السنوات الخمسة الماضية 30+% (مقابل 4-% من كافة دول العالم). ومن منظور سلعي، بلغ نمو مستوردات كندا من الخضروات مثلاً (وهو قطاع تتمتع المملكة بميزة نسبية في تصديره كما هو الحال مع الأدوية) +5% في المتوسط خلال الفترة 2016-2012. وهذه أرقام استثنائية بالمعايير الدولية الحالية.

في عام 2016، صدّر الاردن الى كندا 59 مليون دولار (تشكل الألبسة أكثر من 90% منها) مقابل 7.0 مليون دولار فقط لكينيا وأثيوبيا مجتمعتين!. رغم ذلك، تشكل الصادرات الحالية الى كندا رقماً متواضعاً بالمقارنة مع المستوى الممكن والمرغوب. فدول مجاورة للاردن تصدر الى كندا بقيمة تقارب 600 مليون دينار.

المطلوب اذن اعتبار السوق الكندية سوقاً واعدة مستهدفة، ولا تقل أهمية عن كافة دول الكوميسا مجتمعة. والكوميسا هو تجمع افريقي يضم 18 دولة باجمالي مستوردات دولية تبلغ 138 مليار دولار (بما فيها مصر لوحدها  58 مليار دولار). ومستوردات هذا التجمع متضمناً دولة مصر تشكل فقط ثلث مستوردات كندا من العالم تقريباً. وبالطبع، فان جهود السفارة الاردنية في كندا وجمعية الأعمال الأردنية الكندية ستساعد في هذا الجهد الترويجي الهام.

القيد الرئيسي الحالي أمام النفاذ الأوسع والأكثر تنوعاً الى السوق الكندية وغيرها من الأسواق الغنية هو التنافسية الصناعية والزراعية للاردن (بما فيها المواصفات والجودة) وكفاءة وكلفة الشحن البحري والجوي، مما يفرض تعاون غرف الصناعة مع وزارة الصناعة والتجارة في تحسين فعالية سياسات التنافسية الصناعية القطاعية من حيث التصميم والتنفيذ، والمتابعة والتقييم (M&E)، وفي تذليل المعوقات غير الجمركية وقيد بُعد المسافة أمام انسياب البضائع الاردنية الى كندا وغيرها.

كما من المهم دعم تأسيس بيت تصديري خاص ومتخصص بالسوق الكندية، وأيضاً التعامل بجدية مع مشكلة تشتت الاطار المؤسسي المسؤول عن تنفيذ السياسات الصناعية المستهدفة، بما فيها هيئة الاستثمار الاردنية والمؤسسة الاردنية لتطوير المشاريع ودائرة المواصفات والمقاييس، ووزارة النقل فيما يخص الشحن المبرّد والمتخصص للفاكهة والخضروات المحلية ذات النوعية والقيمة العالية.

التعليقات مغلقة.