صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من الجهة المسؤولة عن تحفيز النمو في المملكة؟

لا يخفى على أي مهتم بالشأن الاقتصادي الأهمية الاستراتيجية في رفع وتائر النمو الاقتصادي الحقيقي في الاردن في عام 2018 فصاعداً، لتصل على الاقل 5.0% سنوياً، مقابل أقل من 2.5% حالياً.

هذا سيحسن من الاداء الاقتصادي العام ويخفف من الضغط المتزايد على الموارد المحدودة في الاقتصاد الاردني، سواء في القطاع العائلي أو قطاع الأعمال أو القطاع العام. 

تحسين الاداء الاقتصادي العام جرّاء نمو أسرع يشمل ليس فقط رفع مستوى المعيشة ونوعية الحياة وزيادة نصيب الفرد من الدخل القومي، بل أيضاً المساهمة في تحقيق هدف الاستقرار المالي (من خلال توسيع القاعدة الضريبية وتقليل التهرب الضريبي ومديونية الأفراد والعائلات) والمساهمة كذلك في ضمان هدف الاستقرار النقدي (من خلال زيادة وتنويع الاحتياطيات الاجنبية من القطاعات المزدهرة والقابلة للمتاجرة الدولية). 

ولا يخفى كذلك مساهمة النمو الاقتصادي التشاركي في تقليل معدلات البطالة والفقر وبالتالي تقليل التدهور الحاصل في مؤشرات اجتماعية هامة كالجرائم والجنايات والطلاق والانتحار والتسرب من المدارس. 

سؤال المليار دينار هو: كيف نحفز النمو الاقتصادي المستدام. ادارياً، هذا يقتضي التساؤل حول الجهة المسؤولة عن تحقيق هذا الهدف؟. 

وفي هذا المجال، لفت انتباهي مقال اقتصادي استراتيجي للدكتور عاكف الزعبي عنوانه “اقتصادنا بلا وزارة” تم نشره قبل ثمانية أشهر. الدكتور الزعبي يعلم جيداً ان العديد من وزاراتنا ووحداتنا الحكومية المستقلة هي ذات طابع اقتصادي ومعنية بالنمو الاقتصادي، لكنه يقصد غياب “العقل الاقتصادي المركزي” الذي يدير ويوجه وينسق ويسائل ويربط بين الأطراف، وبالتالي يضمن التنفيذ وتحقيق النتائج المتوخاة.

في الواقع، ليس لدينا نقص في عدد وتنوع الوزارات الاقتصادية (اتصالات ومياه وطاقة وثروة معدنية وزراعة وصناعة وأشغال واسكان وسياحة ونقل وصحة وتعليم وعمل)، وأيضاً ليس لدينا نقص في عدد وتنوع الوحدات الحكومية المستقلة (وعددها الاجمالي يتجاوز 60 وحدة في مشروع قانون موازنات الوحدات الحكومية لعام 2018 ).

وليس هنالك أيضاً ندرة في الوزارات والمؤسسات المعنية بمتابعة حالة الاقتصاد الاردني ككل وقياس أدائه الكلي والقطاعي، بدءاً من البنك المركزي ومروراً بوزارة المالية وانتهاءاً بوزارة التخطيط والتعاون الدولي. حتى ان وزارات قطاعية مثل وزارة الصناعة والتجارة، ومنظمات غير حكومية مثل غرف الصناعة، ومراكز دراسات خاصة وأكاديمية، بادرت الى اعداد نشرات أو تأسيس وحدات ومراصد لمتابعة مؤشرات الاقتصاد الوطني بكافة قطاعاته. اذن المشكلة المركزية هي ليست في المتابعة ايضاً.

خلاصة ما سبق، التحدي الأساسي هو ليس في عدد الوزارات والوحدات الاقتصادية وتنوعها، وهو أيضاً ليس في المتابعة الشهرية والحثيثة. التحدي الأساسي ضمن الهيكل التنظيمي الواسع والمتضخم للقطاع العام هو في غياب جهة سيادية مخولة قانونياً بمهام التنسيق والتخطيط المركزي للملف الاقتصادي وأولوياته بالشراكة مع القطاع الخاص.

لكن قد يقول قائل، وما الداعي للتنسيق؟ يتوجب على كل وزارة ووحدة حكومية مستقلة أن تقوم بواجباتها ونحن عندها بألف خير. المشكلة في هذا الموقف ان العديد من الأهداف الاقتصادية العليا، مثل تحفيز النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار وتعزيز التنافسية الدولية وتنمية الصادرات وتقليل معدلات البطالة وتخفيض نسبة الفقر يتطلب تنسيقاً عالياً ومساءلة حثيثة لا تستطيع الوزارات والوحدات الاقتصادية المنعزلة القيام بها.

لأعطي مثالاً رئيساً واحداً. ما هو الهدف الاقتصادي الأكثر أهمية وشمولية في أي اقتصاد ديناميكي ومستقر والذي تعطيه مختلف الدول الريادية أكبراهتمامها؟ انه هدف النمو الاقتصادي المستدام والتشاركي Inclusive and Sustainable Growth. ويُقصد بهذا الهدف الاستراتيجي حسب التعريف الدولي: النمو الحقيقي المستمر الذي لا يقل عن 7% سنويا في المتوسط ولمدة 25 عام على الأقل والذي يساهم به ويشترك في منافعه مختلف الاسر والمحافظات والأقاليم والقطاعات الاقتصادية.

ضمن الهيكل التنظيمي القائم للقطاع العام الأردني، من هي الجهة المسؤولة عن تحفيز النمو المستدام والتشاركي؟ الاجابة هي: كافة الوزارت والوحدات الاقتصادية. هذه الاجابة تعني من ناحية عملية أنه لا أحد مسؤول!. فتوزع المسؤوليات وتبعثرها لا يحقق هدفاُ ولا ينجز نتيجة ملموسة.

ومراجعة سريعة للاطار القانوني القائم الذي يحكم عمل أبرز الوزارات والوحدات الاقتصادية المرتبطة بهدف النمو الاقتصادي تظهر الآتي: 

البنك المركزي الاردني يهدف الى “الحفاظ على الاستقرار النقدي في المملكة .. والمساهمة في تشجيع النمو الاقتصدي المطرد”. وزارة المالية تهدف الى “رسم السياسة المالية للدولة والاشراف على تنفيذها، وتوجيه الاستثمار الحكومي بما يتفق والسياسات المالية للمملكة، وادارة الدين الحكومي الداخلي والخارجي”، دون أي اشارة الى هدف النمو الاقتصادي. وزارة التخطيط وفقاً لقانون التخطيط العتيد لعام 1971 تهدف الى “تنمية المجتمع الاردني وتطويره اقتصادياً واجتماعياً وبشرياً وثقافياً”، وهو هدف عام وشامل وغامض وبالتالي غير تشغيلي من زاوية القياس، بعكس الحال مع هدف النمو الاقتصادي.

اذن الخيارات المؤسسية المستقبلية هما اثنان حسب رأيي: (1) وزارة تنفيذية وسيادية خاضعة لمجلس السياسات الاقتصادية، تكون الخلف القانوني لوزارة التخطيط تتولى مسؤولية الملف الاقتصادي الكلي والقطاعي. وعلى ابرز اجندتها تحقيق النمو الاقتصادي التشاركي والمستدام، وتفعيل محركاته المحلية والتصديرية، وتحديد الأولويات القطاعية والأسواق التصديرية المستهدفة. (2) اعادة هيكلة رئاسة الوزراء في جانبها الاقتصادي بما يحقق الفعالية والمركزية المتوخاة.

الوزارة الأقرب الى جعل هدف النمو الاقتصادي ضمن مسؤولياتها المباشرة والصريحة هي وزارة التخطيط، سواء أكان مسماها وزارة الاقتصاد الوطني أو وزارة التخطيط، بشرط اجراء تعديل في قانون التخطيط العتيد لعام 1971 واعطاؤه أولوية تشريعية قصوى. 

فالعقبة الرئيسية هي ان وزارة التخطيط لا تملك حالياً الموارد البشرية الضرورية والصلاحيات القانونية الكافية لجعل كافة الوزارات والوحدات خاضعة لمتطلبات النمو الاقتصادي. 

التعليقات مغلقة.