صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تعديلات الضريبة بين المطرق والسندان

عاد موضوع تعديلات قانون ضريبة الدخل إلى الواجهة اليوم وضمن إطار ضرورة الانتهاء من التعديلات المقترحة قبل نهاية الشهر القادم، تجنبا للدخول في استحقاق دستوري آخر تفرضه الدورة العادية القادمة لمجلس الأمة، والذي يتمثل أساسا في ضرورة إقرار قانون الموازنة العامة الذي بالضرورة لا بد أن يحتوي في بند الإيرادات على متحصلات ضريبة الدخل المتوقعة للعام 2019. وعليه فإن السجال اليوم حول ضرورة عقد دورة استثنائية لا تتجاوز مدتها الشهر، يتم خلال إقرار قانون الضريبة لتتمكن الحكومة من إدراج المتحصلات الإضافية المتوقعة بعد تعديل القانون ضمن موازنة العام 2019. ولابد من الاعتراف هنا أن الحكومة عملت بجهد كبير مع القطاعات المختلفة لفتح حوار حول تعديلات القانون وهيكلية الضريبة، والشكر بلا شك لمعالي الدكتور رجائي المعشر الذي تصدى لهذه المهمة الصعبة باقتدار. بيد أن موضوع الضريبة بهيكلها العام، المباشرة منها وغير المباشرة، يعتبر من الموضوعات الشائكة التي يصعب على المرء استيعاب متطلباته ما لم يدرس بعناية هيكيلة الاقتصاد من جهة، والحالة التي يمر بها الاقتصاد من جهة أخرى. ويضاف الى ذلك العوامل الخارجية التي تحيط بذلك الاقتصاد، خاصة ما تعلق منها بضغوط أو التزامات أمام المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية. والحالة اليوم في الأردن هي تركيبة معقدة من المعطيات الثلاثة المشار اليها، فهيكل الاقتصاد اليوم يسيطر عليه قطاع الخدمات، لا يدفع الكثير من القائمين على المهن فيه الضريبة المستحقة عليهم، في حين يأنُ فيه قطاع الصناعة من ظلم المنافسة وجور السياسات، ويعاني فيه قطاع الزراعة من ضعف التوجيه والإدارة وتفتت الملكيات وقصور الدعم وملاحقة القروض الزراعية. أما بالنسبة للحالة التي يمر بها الاقتصاد الوطني، فهي ظاهرة للعيان ومعدلات النمو الاقتصادية والبطالة والمديونية والعجز المالي التجاري شاهد على ما ورثته هذه الحكومة من حالة تباطؤ اقتصادي يلزمه دفعة اقتصادية قوية وسياسات تيسيرية كلية مالية ونقدية كبيرة، ودفعات من الاستثمارات والمساعدات المالية حتى يتمكن الاقتصاد من العودة الى زخم نموه الذي تأثر بشكل سلبي بقرارات حكومات سابقة خاصة خلال الفترة 2011 الى 2016. وفي العرف الاقتصادي فإن رزوح الاقتصاد تحت نير هذه الظروف الصعبة لا يشجع على اللجوء الى سياسات ضريبية انكماشية أو فرض ضرائب إضافية. بيد أن ضغوط سندان الالتزامات الخارجية ومطرقة الوضع الاقتصاد الداخلي يحتمان على الحكومة التوجه نحو إقرار قانون جديد للضريبة. ولعل الحكومة في ظل المشاورات والحوار الذي قامت به تستطيع أن تخرج ببعض المنافذ التي تمكنها من الوصول الى هدف تعديل قانون الضريبة، في الوقت الذي تطلق معه “اتفاق إطاري” يقوم على النزوع الى مجموعة من الإجراءات التي ستساعد على التخفيف من وطأة بعض الاثار السلبية المتوقعة من القانون الجديد. وهنا لا بد من الإشارة الى موضوعات ثلاث أساسية ستساعد في ذلك “الاتفاق الإطاري” وستُمكن الحكومة ومجلس الأمة من تبرير تمرير القانون في الظروف الحالية. الموضوع أو الاجراء الأول، الاعلان عن البدء فورا بدراسة معمقة من قبل مختصين بهدف وضع آليات تساعد خلال فترة وجيزة على تبسيط إجراءات الاستثمار وتساعد على توحيد الوعاء الاستثماري وسياسات الاستثمار في المناطق التنموية والمناطق الحرة والصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة، بما يكفل الخروج بما يمكن تسميته “منظومة الاستثمار الوطني في المناطق التنموية والمناطق الحرة والخاصة”، على أن يتم في الوقت نفسه وضع إطار لدعم الصناعة المحلية من جهة وقطاع الزراعة من جهة أخرى. وهنا لابد أن تتعهد الحكومة بالانتهاء من كل ما يتعلق بمتطلبات تبسيط إجراءات الاستثمار ومنظومة المناطق في موعد أقصاه منتصف العام القادم وتحت طائلة المحاسبة والمساءلة من المجلس القواعد الشعبية. الموضوع أو الاجراء الثاني المطلوب، الإعلان فورا عن صندوق دعم وتشجيع مشاريع الشباب، وخاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبما لا يقل عن 350 مليون دينار أردني، والاعلان عن ذلك رسميا كأداة استثمار حقيقية تحت مسمى “الصندوق الوطني لدعم مشاريع الشباب” وتكون إدارته متخصصة ومستقلة ومهنية ضمن إطار مؤسسي لشركة ذات مسؤولية محدودة، حتى لا ننتظر اخراج قانون خاص له، ويمكن ربط مهام وأهداف الصندوق لتكون ضمن إهداف ومهام مؤسسة ولي العهد، حتى تعطى الاهتمام والمصداقية المطلوبة. ويتم تمويله مناصفة بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسة دولية ومحلية. والاجراء الثالث والأخير، ان يتم الإعلان عن دراسة متكاملة لهيكلية الضريبة في الأردن وبخبرات اردنية ودولية للوصول الى أفضل هيكيلة ممكنة وضمن افضل التطبيقات في العالم، وبحيث يتم تعديل القوانين المعنية بذلك خلال العام 2019 ويبدأ التطبيق الفعلي خلال العامين 2020 و2021. على أن أن يشمل ذلك تطبيق فكرة التصاعدية على ضريبة المبيعات وعلى ضريبة الدخل، وحتى على الرسوم الأخرى، وهي قضية مطبقة في العديد من دول العالم ولا نحتاج فيه الى إعادة اختراع العجلة أو التنظير الزائد.

وختاما، من الواضح أن الحاجة ماسة الى تعديل قانون الضريبة، وهناك التزامات قادمة في العام 2019 تُحتم القيام بذلك التعديل وباعتقادي أن تبني الحزمة المقترحة هنا، أو حزمة شبيهة بها، سيسهل تمرير القانون، خاصة أن التركيز في القانون سيكون على ضبط التهرب الضريبي وملاحقة الكثير من المهن التي نعلم أن القائمين عليها يتمتعون بمؤهلات علمية عالية ومكاتب فاخرة وسمعة محلية وإقليمية ودولية، ولكن مع الأسف فإن الكثير منهم يتهرب من الإقرار بدخلة أو دفع الضريبة المستحقة عليه!! تعديلات الضريبة استحقاق لا مناص منه، بيد أنني انصح بتقديم القانون ضمن حزمة من الإجراءات، لعل من أهمها ما تم الاجتهاد به واقتراحه في هذا المقام.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.