صحيفة الكترونية اردنية شاملة

المديونية الخارجية وإفلاس الدولة

طرأ العديد من التغيرات على الشروط المصاحبة للاقتراض الخارجي منذ أزمة المديونية العالمية عام 1982، بعد أن عجزت بعض دول أميركا اللاتينية عن سداد ديونها الخارجية ، وهو ما كان بداية لإعادة النظر في شروط الاستدانة الخارجية، واتجاه هذه الشروط نحو مزيد من التشدد، وخاصة الديون التي يكون الصندوق والبنك الدوليان طرفا فيها عند الحصول عليها أو عند إعادة جدولتها.

وتتأثر شروط الديون الخارجية بطول فترة سداد الدين، وكذلك تتأثر بالظروف الدولية التي تتم فيها هذه الديون، وبالسمعة الاقتصادية للدولة المقترضة (الجدارة الائتمانية) وقدرتها على السداد في المستقبل.
وإذا تعثرت الدولة المدينة عن السداد لأسباب داخلية أو خارجية تكون أمام خيارين :
– إنكار الدين والتوقف عن السداد، وهو أمر في غاية الخطورة على الجدارة الائتمانية والسمعة الاقتصادية للدولة، وقد يعرضها لعقوبات اقتصادية وسياسية.
– اللجوء إلى عملية إعادة جدولة للديون الخارجية، وتعني قيام الدولة بطرق أبواب الصندوق والبنك الدوليين للاتفاق مع الدول الدائنة على كيفية وشروط إعادة الجدولة فتذهب إلى نادي باريس حيث تبدأ رحلتها مع شروط جديدة لإعادة جدولة ديونها تختلف تماما عن الشروط الأصلية التي تمت على أساسها هذه الديون، ويتم وضع هذه الشروط والاتفاق عليها من خلال خطوتين هما:
1. اتفاق الدولة المدينة على برنامج إصلاح اقتصادي وتصحيح هيكلي مع صندوق النقد الدولي، وهذا البرنامج يضم في الغالب وصفة علاجية في صورة حزمة من السياسات الاقتصادية تتعهد الدولة المدينة بالالتزام بها على مراحل، وكلما أنجزت مرحلة حصلت على تسهيل من الصندوق لاستكمال المرحلة التالية، لضمان قدرة الدولة المدينة على سداد التزاماتها تجاه الدول الدائنة، بغض النظر عن أثر الأخذ بهذه البرامج على المستقبل الاقتصادي للدولة المدينة أو على مستوى معيشة مواطنيها، وتمثل هذه الخطوة الشرط الأول للدخول في مفاوضات مع الدول الدائنة الأعضاء في نادي باريس لإعادة جدولة المديونية.
2. الحصول على موافقة جماعية من الدول الأعضاء بنادي باريس على شروط إعادة الجدولة، وهي الشروط التي ستدور حولها المفاوضات الثنائية بعد ذلك بين الدولة المدينة وكل دولة دائنة على حدا.
وتختلف الدول عن الأفراد والشركات، فالدول لا تفلس (Bankruptcy)، إذ لا توجد محكمة أو هيئة دولية يمكن أن تضع اليد على ممتلكات الدول وبيعها من أجل سداد مستحقات الدائنين، وإنما تعجز الدول عن سداد ديونها الخارجية (Default )، ويوصف هذا العجز بأنه عجز سيادي (Sovereign Default).

ويترتب على هذا الأمر تبعات مالية واقتصادية كبيرة، حيث إن حالة العجز تؤدي إلى تدهور التصنيف الائتماني للبلد المعني وزعزعة ثقة الدائنين في اقتصاده، فيجد بذلك صعوبة بالغة في الحصول على التمويل مجددا لدى المؤسسات المالية الدولية والمصارف العالمية وأسواق الأوراق المالية في المستقبل ، كما يسيء ذلك كثيرا إلى قدرة البلد على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وقد يصل الأمر بالمستثمرين الأجانب في البلد إلى حد سحب استثماراتهم، وكذلك اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) من أجل مواجهة العجز، الذي قد يجر على البلد تداعيات يمكن أن تكون خطيرة على السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي.

وقد وقع العديد من البلدان العربية ومن بينها الأردن في فخ المديونية الخارجية وبلغ حجمها مستويات حرجة باتت تؤثر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لهذه الدول .
وتتشابه ظروف اليونان عام 2008 كثيرا مع ظروف الأردن عام 2018، اقتصاد نخره الفساد، وسياسات اقتصادية فاشلة، تدخل سافر من صندوق النقد الدولي في القرار الاقتصادي، و قانون ضريبة الدخل مشابه للقانون المقر في اليونان عام 2008 ، وعندما أعلنت اليونان عدم قدرتها عن سداد ديونها كانت تبلغ نسبة الدين العام للناتج المحلي الاجمالي 120٪؜ ، بينما تبلغ في الأردن نسبة 96٪؜من الناتج المحلي الإجمالي أي أن الأردن أصبح قريبا من نسبة اليونان قبل عجزها عن السداد ،كما أن مندوب البنك الدولي الذي يناقش قانون ضريبة الدخل مع الأردن هو ذات المفاوض الذي فاوض اليونان قبل إعلانها عن العجز عن تسديد ديونها وهو(مارتن سيرسولا) .
وفي حال عدم قدرة الأردن عن سداد ديونها ستكون في وضع أخطر بكثير من وضع اليونان،لأن الأردن لا يملك الدعم أو السند الحقيقي، ولأن الدولة الأردنية كانت قد باعت كل مقدراتها، ولم يتبق لها سوي جيب المواطن(ضرائب) ومحاولة الحصول على ديون جديدة ، بينما اليونان، دولة تحظى بدعم الاتحاد الأوروبي وتمتلك من المقومات الاقتصادية أكثر بكثير من الأردن.

التعليقات مغلقة.