صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الخروج من المأزق … خارطة طريق

مع نهاية الأسبوع، انتهت الحكومة من ماراثون “الحوار الشعبي” الذي بدأته قبل نحو عشرة أيام لاستجلاء ردود فعل المواطنين وملاحظاتهم حول مسودة مشروع القانون المعدل لقانون ضريبة الدخل. فهل كانت الحكومة موفقة في مساعيها؟ أم أنها أخفقت في تحقيق ما هدفت اليه من الحوار؟

لا بد بداية من التأكيد على أهمية تواصل الحكومات مع المواطنين، وزيارتهم في مواقعهم، وتحسس همومهم بصدق وبهدف وضع السياسات الملائمة لمواجهة المشكلات التي يعانون منها، وهي كثيرة.  بل أن مثل هذه اللقاءات الميدانية، وبشكل دوري ومتواصل، يجب أن تكون نهجاً حكومياً ثابتاً يجعل المواطن أكثر قرباً من الحكومة، وأكثر استجابة في تفهم محدودية إمكانات الحكومة في الحركة والمناورة في معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤرق الحكومة والمواطنين في آن واحد.  إن إرساء تقليد الحوار  والتواصل المباشر مسألة غاية في الأهمية، وفوائدها كبيرة وجمة، وربما يكون في مقدمتها إعادة الثقة المفقودة ما بين المواطن والحكومة.

ولكن اللقاءات التي تمت الأسبوع المنصرم، ربما تكون قد اخفقت في تحقيق أهداف الحكومة، وأثرت سلباً على جزء مهم من رصيد رئيسها الذي كان يتمتع بقبول معقول بين المواطنين على مختلف توجهاتهم. وإذ تعلن الحكومة أنها استفادت من الحوار ، على الرغم من كل ما تخلله من تهجم مباشر على المسؤولين المحاورين، بل ومنعهم من استكمال مهمة الحوار الذي حضروا إلى المحافظات من أجله، فإنها مطالبة الآن، ومن أجل اقناع المواطنين بأنها كانت جادة جداً في انطلاقها إلى المحافظات للتواصل معهم وسماع صوتهم، مطالبة بالخروج على المواطنين بخطة عمل تثبت حسن نوايا الحكومة وجديتها في التعامل مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية الشائكة.

ومن خلال متابعة ذلك الحوار على وسائل الاعلام المختلفة، وردود فعل المواطنين، أعتقد أن من الحكمة أن تتضمن خارطة الطريق الحكومية للمرحلة المقبلة العناوين الرئيسة التالية:

أولاً:   الالتزام الحرفي بالتوجيه السامي “بكسر ظهر الفساد” الذي استشرى وتفاقم واصبح عائقاً حقيقيا في سبيل التنمية والتطور، ولا داعي للتفصيل في هذا الباب، فالحكومة والمواطنون على علم تام بحيثيات الموضوع، غير أن استعادة الفاسدين و أموالهم يعد حجر الأساس لعملية استعادة الثقة بين المواطن و الحكومة، و بغير ذلك فإن أي إجراء آخر سيكون منعدم الأثر على المستوى الشعبي.

ثانيا: اتخاذ خطوات حقيقية لتخفيض الانفاق الحكومي غير المنتج، وحتى لا يكون أثر ذلك التخفيض انكماشياً، يجب أن توجه نسبة منه إلى الانفاق الرأسمالي المنتج، والمحفز للنمو الاقتصادي، والذي بدوره يعزز من إيرادات الحكومة.

ثالثا: العمل على تعزيز ثقة المستثمرين المحليين أولاً، والأجانب ثانياً، بخطوات ملموسة لجذب الاستثمار.  ولا تكفي هنا النوايا الحسنة والنافذة الاستثمارية وغيرها، بل يجب ان تتغلغل هذه الخطوات الى أدنى سلم الوظائف التي تتعامل مع المستثمر، بما في ذلك العاملون في المعابر الحدودية. ومن شأن ذلك تعزيز النمو الاقتصادي المنشود.

رابعا: وكما وعدت الحكومة، فإن إعادة النظر في الهيكل الضريبي برمته أضحى أمراً ملحاً، مما يستوجب مراجعة متأنية للضرائب غير المباشرة التي يعاني منها المواطنون بمختلف شرائحهم، والتي تشكل ثلاثة ارباع الإيرادات الضريبية.

خامسا: مراجعة الشرائح الضريبية والنسب المفروضة عليها، وإبقاء الاعفاءات الضريبية كما في القانون السابق (أي عند 12000 دينار  للفرد و 24000 دينار للأسرة) ، إضافة إلى إعادة العمل بالإعفاءات المتعلقة بنفقات الصحة والتعليم (4000 دينار).

سادسا: إعادة النظر في نسب الضرائب المفروضة على القطاعات الاقتصادية الأخرى، وبالذات على البنوك والمؤسسات المالية. ففي القانون المعدل الذي قدمته حكومة الملقي ورفضه الشعب كانت الضريبة المقررة على قطاع البنوك 40%، وفي هذا الصدد، لا يصح للحكومة أن تتحجج بأن رفع الضريبة على البنوك سوف ينعكس سلباً على المواطنين وكلفة قروضهم، فالبنك المركزي هو سيد البنوك، وبإمكانه السيطرة على هذا الجانب باستخدام أدوات السياسة النقدية التي تحت تصرفه، كما أن التنافس المحموم بين البنوك على اجتذاب ودائع العملاء لن يسمح بارتفاع غير مبرر بكلف القروض. كما يتوجب مراعاة أوضاع القطاع الزراعي بصورة تسمح لهذا القطاع الحيوي بالاستمرار والنماء.

سابعا: معالجة الترهل الإداري الذي يشكو منه كل رئيس حكومة فور تسلمه مهامه. إن الهدر الذي يترتب على استمرار هذا الترهل لم يعد من الممكن تجاهله والسكوت عنه.

ثامنا: مواجهة مشكلة البطالة المتفاقمة تتطلب حلولاً إبداعية واشتباكا حقيقيا معها. وربما يتذكر دولة الرئيس أنه كان على رأس الفريق الذي أعد “الاستراتيجية الوطنية للتشغيل 2011-2020″، والتي اخفقت اخفاقا ذريعا في تحقيق اهدافها. وفي هذا الصدد نُذكر بأن العمالة الوافدة في المملكة وصلت إلى أكثر مليون عامل، لا يتجاوز عدد المسجلين منهم ومن سددوا رسوم أذونات العمل ثلاثمائة ألف، ولو ان الحكومة استطاعت ان تضبط هذا الجانب لتمكنت من تحصيل ما يربو على ثلاثمائة وخمسون مليون دينار سنوياً، وأسهمت بحل جزء من مشكلة بطالة الأردنيين، بالإضافة إلى الوفر المالي من هذا الجانب.

تاسعا:  وضع الخطط التنفيذية الكفيلة بتقليص حجم الاقتصاد غير المنظم، والذي تشير التقديرات إلى أنه يشكل 25% من حجم الاقتصاد الوطني، وبحيث يسهم في تعزيز إيرادات الدولة؛ يُعدُ الاقتصاد غير المنظم من أسهل الطرق للتجنب الضريبي التي يتوجب على الحكومات التعامل معها.

يمكن للحكومة أن تقود ماراثون مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتأجيل موضوع تعديل قانون ضريبة الدخل بنيةٍ صادقةٍ للإصلاح تقنع بها الصندوق، وهو بالمناسبة لا يسعى لإعلان فشل مفاوضاته، لأن هذا يعني فشلا له بالمقام الأول. ثم تقوم الحكومة بتفصيل بنود خارطة الطريق بخطة تنفيذية زمنية مقنعة وشفافة، وأنا على ثقة بأنها ستجد المواطنين، كل المواطنين، عوناً لها وليسوا عبئاً عليها.

ويبقى الأمل قائماً.

التعليقات مغلقة.