صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الدور التشريعي بين الضريبة والموازنة

بتحويل مشروع تعديل قانون ضريبة الدخل للعام 2018، استطاعت الحكومة تجاوز المعضلة التشريعية التي تفرض عدم قبول تعديل أو تقديم أو فرض أي ضريبة أو حتى أي إيراد عام، خلال فترة مناقشة الموازنة العامة للدولة، وذلك وفقاً للفقرة 5 من المادة 112 من الفصل السابع من الدستور الأردني. وبالتالي فإنَّ تحويل تعديلات قانون الضريب في هذا الوقت، يحقِّق مجموعة من الاستحقاقات التشريعية وغير التشريعية. فمن ناحيةٍ أصبح بين يدي ممثلي الشعب ومجلس الملك قانون التزمت الحكومة بتقديمه في هذا الوقت تشريعياً وأمام الدائنين والمؤسسات الدولية، وذلك قبل إرسال قانون الموازنة العامة للدولة، والذي يتوجَّب دستورياً إرساله إلى مجلس النواب في موعد أقصاه الأول من شهر كانون أول/ ديسمبر.

 وهو أمر يؤهل الحكومة أولاً للوفاء بما التزمت به الحكومة السابقة أمام المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي، من ناحية تجهيز قانون معدل لقانون الضريبة وإيداعه في القنوات التشريعية قبل نهاية العام، كما يجعلها ثانياً، قادرة على المناورة للحصول على قرض يصل إلى نحو مليار دولار من المجتمع الدولي بسعر فائدة معقول نسبياً، دون المخاطرة بزيادة كلفة هذا الاقتراض.

وقد لا يعلم الجميع أنَّ الحكومة أمام التزام فرضته الحكومات السابقة، وليس حكومة الملقي، وهو استحقاق مديونية خارجية تصل إلى نحو مليار دولار، ونظراً لعدم توافر المبلغ من الموارد المحلية مباشرة، ولنضوب منابع المساعدات الخارجية، فإنَّ الحكومة تسعى إلى اقتراض المبلغ من السوق الدولية، لسداد نفس المبلغ إلى الدائنين الدوليين، وقد كانت الحكومات السابقة قد اقترضت مبالغ مالية كبيرة بمليارات الدولارات، بدعم وضمانات دولية مباشرة وبسعر فائدة مُيَسَّر.

 واليوم على الحكومة الحالية أن تسدِّد ذات الدين عبر قنوات الاقتراض، ولكن بسعر فائدة أعلى، نظراً لارتفاع أسعار الفائدة في السوق العالمية عمَّا كانت عليه منذ 5 سنوات.

وقد كان الخوف أن يتم إضافة نسبة أخرى على أسعار الفائدة المرتفعة أصلاً، تُسمَّى نسبة المخاطر، وذلك في حال لم تحصل الحكومة على شهادة من الصندوق الدولي تفيد التزامها بتعديل قانون الضرائب، ما يجعل الصندوق يشير إلى عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها السابقة.

وهذه العبارة من الصندوق بحد ذاتها تعني بالضرورة زيادة كلفة إقراض أي دولة بنسبٍ قد تصل إلى نحو نقطتين مئويتين؛ أي إذا ما حسبنا فرق زيادة هاتين النقطتين على مبلغ المليار دولار، فإنَّ معنى ذلك هو كلفة إضافية على موازنة الدولة وجيوب المواطنين قدرها 200 مليون دولار سنوياً.

ومن هنا كان قضية تعديل قانون الضريبة، أو على الأقل رفعه إلى مجلس الأمة بمثابة التزام سيوفِّر الكثير من الكلف على الموازنة، حتى لو لم يتم إقراره بشكل نهائي. وقد قامت الحكومة بذلك، وأوفت باستحقاق، وتستطيع أمام المحافل الدولية اليوم أن تؤكِّد بأنها فعلت ما وعدت به، وأن على المحافل والمؤسَّسات الدولية أن تحترم المسار الدستوري للأمور، وهو ما قد يفرض تعديلات على مشروع القانون المرفوع لها، وهي تعديلات قد تأتي بأثر عكسي. وهنا يأتي الاستحقاق التشريعي بموازنة الأمور بين التزامات الحكومة أمام المجتمع الدولي، والتزامات المجلس أمام ممثليه وأمام القناعات الاقتصادية القائمة. وهذا الاستحقاق هو بمرونة كبيرة، تجعل من مجلس النواب صاحب الصلاحية في رفع الإعفاءات الشخصية بدلاً من تخفيضها إلى 17 ألف دينار، ويجعل الحقَّ للمجلس، إن أراد ذلك، واجتمع عليه، أن يخفّض الشرائح ويجعل نسبة الضريبة أقل حتى من القانون السابق. والشاهد هنا، أنَّ الحكومة أوفت بدورها، وقامت بمتطلبات الحوار مع الجهات المعنية، ورفعت تعديلات القانون في الوقت المناسب وبما لا يخالف الدستور، وخاصة أنها بصدد إرسال مشروع قانون الموازنة العامة في موعد أقصاه الأول من شهر كانون أول/ديسمبر المقبل. ويبقى على المجلس أن يوازن بين الإبقاء على وضع الإعفاءات كما هي مع إجراء تعديلات على ضرائب الشركات، ووضع ضوابط لمنع التهرب الضريبي، بما في ذلك نظام الفوترة، أو حتى التوسُّع في منح الإعفاءات تشجيعاً للاستهلاك الخاص، وتشجيعاً لبعض القطاعات، التي تحتاج إلى مزيد من التخفيض. على المجلس أن يوائم بين قدرته على اكتساب الشعبية، عبر زيادة الإعفاءات، بدلاً من تخفيضها كما جاء من الحكومة، وبين قدرته على تفهم الالتزامات الدولية، وبالتالي الوصول إلى معادلة لا تغضب المجتمع الدولي ولا تحرم العامة من مكتسباتهم.

المشكلة التي يواجهها المجتمع الأردني اليوم، تكمن في ثلاث معضلات متداخلة؛ فمن ناحيةٍ تسعى الحكومة إلى جذب استثمارات خارجية، وترغب في تحفيز الاستثمارات القائمة محلياً، وهو أمر لا يتم عبر تقديم قانون ضريبة يرفع معدلات الضريبة ويُكمِّش مستويات الاستهلاك، ومن ناحية أخرى، أصبح من الواضح صعوبة سداد المديونية التراكمية، والناتجة عن اقتراض مبالغ غير مبررة في الفترات السابقة، عبر قنوات محلية وخارجية تجارية ورسمية، ولغايات غير استثمارية وغير مجدية اقتصادياً. فهذا النوع من المديونيات لم تنجح أي دولة في العالم في سدادها دون اللجوء إلى المساعدات الخارجية من دول صديقة، أو التفاوض مع الدائنين بتحويلها إلى استثمارات، أو بقبول أسعار خصم عليها وإعادة جدولتها.

والمعضلة الثالثة، أنَّ قيام الحكومة بتعديل قانون الضرائب لهذا العام وتوفير المبلغ المطلوب، في حال تحقَّق ذلك فعلاً، لا يعني بأيِّ شكلٍ من الأشكال انتهاء المشكلة في العام القادم وعدم الحاجة إلى موارد إضافية، ما لم يتحرَّك السوق وتدور عجلة الاقتصاد وتحلّق الطائرة بشكل سليم؛ فتتحقق بعدها الإيرادات عبر قنوات حركة ونشاط الاقتصاد، وليس عبر زيادة نسب الرسوم والضرائب وفرض المزيد منها. بل علينا الاعتراف بأنه على الرغم من حقيقة أنَّ تعديلات القانون لن تمسّ الشريحة الكبرى من المجتمع، بيد أنها ستؤدي إلى قضيتن؛ الأولى: أنَّ المجتمع سيعاني الأثر الارتدادي لفرض الضريبة وزيادة معدلاتها، وذلك عبر نقل كلِّ أو جزء من العبء على المستهلك الأخير، وعبر الآثار الارتكازية لهذا النقل من قطاع إلى آخر.

 والقضية الثانية: أنَّ فرض الضرائب وزيادتها على القطاعات المستهدفة يعدُّ أثراً انكماشياً في النمو الاقتصادي، وبالتالي في تحقيق معدلات أفضل في النمو وفي خلق الوظائف، وحتى في تخفيض نسبة المديونية إلى الناتج المحلي الإجمالي. الحكومة أمام استحقاقات لا تُحْسَدُ عليها، والحلول تحتاج إلى الوقت والتأني، والاستحقاق التشريعي هو المخرج المأمول للموازنة بين تحقيق الالتزامات الدولية بالتعديل ومراعاة ظروف العامة ونفاد قدرتهم على تمويل المزيد من العجز المالي أو الاستحقاقات المالية الخارجية.

[email protected]

التعليقات مغلقة.