صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تطلعات أردنية نحو دولة القانون

تردد في الآونة الأخيرة مصطلح دولة القانون على لسان جلالة الملك ورئيس الوزراء كهدف تسعى الدولة الأردنية للوصول اليه ، وهذا يتطلب تسليط الضوء على هذا المفهوم وإمكانية تطبيقه في الأردن . فمن المعروف تاريخياً أن مصطلح “دولة القانون” ظهر في نهايات القرن التاسع عشر في ألمانيا في زمن تكوين الوحدة القومية الألمانية في عهد بسمارك. وكان الهدف منها يتجه أساساً لتدعيم مركزية الدولة، إضافةً لعقلنتها وحسن سيرها. ولم يكتس مفهوم دولة القانون بعده الليبرالي إلا فيما بعد .

وقد أخذ الفقهاء يميزون بين مصطلحين متناقضين للتعبير عن مضمون دولة القانون. هذان المصطلحان هما: “دولة البوليس” (دولة الضبط الإداري تحديداً) و”دولة القانون”. فدولة البوليس، هي التي تمتلك سلطة (إدارة) غير مقيدة لمواجهة الأوضاع المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتخذ القرارات والأوامر والتدابير (التقديرية) اللازمة كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك مما يعني بأنها تشكل تهديداً للحقوق والحريات العامة، باعتبارها غلبت ضرورات السلطة على ضمانات الحريات والحقوق العامة . أما دولة القانون فهي التي تقيد نفسها بنظام قانوني (تشريعي بالمفهوم العام) .

وأصبح مفهوم دولة القانون بمفهومه الواسع يعني تلك الدولة التي تقيم التوازن بين ضرورات السلطة وضمانات الحقوق والحريات العامة، لأن تغليب ضرورات السلطة يؤدي إلى الاستبداد، وتغليب ضمانات الحقوق والحريات العامة يؤدي إلى الفوضى. أي أن دولة القانون هي شعار سياسي ونظرية دستورية هدفها تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين. وهذا التنظيم يتم من خلال إيجاد علاقة متوازنة بين طرفي العلاقة. فالحاكم كأحد طرفي العلاقة وممارس للسلطة يرغب بتغليب ضرورات ممارسة السلطة. والمحكومين باعتبارهم الطرف الآخر لهذه العلاقة يرغبون بتغليب ضمانات الحقوق والحريات العامة. ولكن ضرورات ممارسة السلطة تتجلى من خلال التقييد الوارد سياسياً وقانونياً على الحقوق والحريات العامة، في حين أن ضمانات الحقوق والحريات العامة تتجلى من خلال التقييد القانوني والسياسي للسلطة.

إن التعريف الشائع والمعاصر لمفهوم دولة القانون لدى علماء السياسة والقانون والاجتماع والفلسفة ولدى المشتغلين في الحقل العام يركز على عناصر ثلاثة متصلة بالحكم :

أولاً ـ هدف الحكم: إن دولة القانون هي التي تهدف إلى إقامة نظام سياسي (حكم) وحماية الحقوق العامة من خلال تقييد السلطتين التشريعية والتنفيذية (الإدارة). أي أنها تخضع لنظام قانوني ذاتي يمتد من الدستور إلى أبسط القواعد القانونية . وبالتالي فهي الدولة التي لا تقيد الحقوق والحريات العامة إلا بالقدر الكافي واللازم لتأمين مقتضيات الأمن والاستقرار بما يؤمن حسن ممارسة هذه الحقوق والحريات.

ثانياً ـ وسائل الحكم: لتحقيق الهدف الذي تسعى له دولة القانون لابد من توفر الوسائل التالية:

1 ـ الفصل بين السلطات: يعتبر هذا المبدأ أحد أهم المبادئ الدستورية في الدول الديمقراطية المعاصرة، ويشكل نوعاً من الرقابة السياسية التي تعني أن كل سلطة تملك الوسائل الكفيلة بالحد من تعسف أو تجاوز السلطات الدستورية الأخرى. ومن أهم مزاياها صيانة الحريات ومنع الاستبداد، والمساهمة في إنشاء أو بناء دولة القانون.

2ـ استقلال القضاء : إنّ وجود قضاء مستقل يشكل أحد أهم الدعامات الأساسية لقيام دولة القانون. فلا قيمة للدستور، ولا لمبدأ الفصل بين السلطات، ولا لإعلان الحقوق والحريات الفردية، الا بوجود رقابة قضائية تضمن احترام أحكام الدستور وبقية القواعد القانونية، وتضمن ممارسة كل سلطة وظائفها في حدود مبدأ فصل السلطات، وتضمن حماية للحقوق والحريات الفردية. ولا قيمة لهذه الرقابة القضائية إلا إذا كان القضاء المستقل يمارسها.

واستقلال القضاء (العدلي أو الإداري أو الدستوري) الذي يعتبر أمراً لابد منه لقيام دولة القانون يجب أن يتأمن على مستويين: الاستقلال الشخصي للقضاة يتأمن على أكثر من صعيد: كيفية اختيار القضاة، والحصانة وخاصةً عدم القابلية للعزل، والنظام المالي والإداري الخاص بالترقية والنقل والتأديب، وقواعد الحياد في مواجهة الخصوم، أما الاستقلال الوظيفي للقضاء فيتأمن من خلال: عدم تحصين أي عمل من أعمال سلطة الدولة من رقابة القضاء. وعدم تدخل كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في عمل القضاء، وضمان احترام الأحكام وتنفيذها .

ثالثاً ـ نوعية الحكم: هو الحكم الذي تكون فيه الطاعة والخضوع من الحاكم والمحكوم إلى القانون والمؤسسات. أي خضوع الدولة للشرعية القانونية من أجل الوصول إلى العدالة والإنصاف . وفكرة السيادة للقانون وللمؤسسة دستورياً لا تنجم إلا من خلال آلية سياسية تتجسد في كيفية إسناد السلطة التي يجب أن تكون عن طريق الشعب، أي بالديمقراطية. فالحكم الديمقراطي هو منطلق ومآل دولة القانون، أي هو نوعية الحكم الذي تنشده دولة القانون.

التعليقات مغلقة.