صحيفة الكترونية اردنية شاملة

العودة إلى التخطيط التنموي

خطط تنمية حقيقة هدفها تحسين مستوى الاقتصاد، وتنمية المحافظات، وتحسين البنية التحتية أمام المستثمرين والمهتمين، ورفع مستوى حياة المواطن في استخدامه للطرق، وللاتصالات، وللتكنولوجيا، حينها حتى لو كان تمويل الخطط بالقروض، فإنَّ ذلك سيؤدي إلى جذب المشاريع وتحسين مستوى الإنتاجية والتنمية في الدولة

نجاح المخطط الاقتصادي لا ينحصر في مهمة وضع خطة تنموية اقتصادية فحسب، بل يتعداه إلى دور أهم يكمن في التقييم والمتابعة، وفي تعديل مسار الخطط إن لزِمَ الأمر.

نحن اليوم وبكل صراحة ووضوح، نفتقد الأيام التي كان فيها التخطيط أساس عمل الحكومات، ومصباحها الذي يضيء أمامها الطريق نحو تنمية متوازنة تقارب الجميع، وتقترب من طموحات الدولة ومعيشة المواطن.

بالتخطيط النوعي الذي بدأ بمجلس قومي للتخطيط وتحوَّل إلى وزارة للتخطيط، ثمَّ وزارة للتخطيط والتعاون الدولي، بذلك التخطيط التنموي الذي بدأ ببرنامج السنوات السبع، ثمَّ خطط التنمية الثلاثية والخمسية، نعم بذلك التخطيط وصلت التنمية إلى مستويات لم تشهدها حتى بعض الدول الغنية من حولنا.

ومن خلال خطط التنمية وصلت الكهرباء إلى 99% من المناطق السكنية والصناعية والتجارية، ووصلت المياه إلى 96% من المستهلكين والمتعاملين، ووصلت الطرق النافذة إلى 100% من المناطق المُخَطَّطِ لها.

بهذه الخطط كنَّا نحتفل بأنَّ كلَّ مساعدة مالية لها مسرب استخدام تنموي جاهز ومناسب. بهذه السياسات كان الأردن يتربَّع على مسارات التنمية في المنطقة ويولّد الكفاءات المتتالية له ولدول المنطقة، وحتى حينما استقطبت معظم دول المنطقة الكفاءات الأردنية كان الرصيد من الكفاءات ما زال قادراً على إعطاء المزيد وتقديم المزيد. خطط التنمية حرصت أن تكون التنمية موزعة على كافة المناطق، متوازنة بين كافة المناطق، مدروسة بشكلٍ سليم، والأهم كانت تجعل من منهجية التنمية في البلاد مجموعة مشاريع تنموية حقيقية، ذات موازنات مالية معقولة، وذات أهداف تنموية مدرسة.

ومن هنا فإنَّ مستوى البنية التحتية الكلية في البلاد، من مياه، وطرق واتصالات تشكِّل واحدة من أفضل التجارب في المنطقة. وكانت التجربة الحقيقة والامتحان الحقيقي حينما وردتنا المساعدات الكريمة والسخية من دول الجوار، بعد العام 1974، فوجدت تلك المساعدات طريقها عبر تنفيذ مشاريع متاحة ومدروسة وموجودة في الخطط التنموية المختلفة.

ولكن حينما حصلنا حديثاً على ما يربو على 3 مليارات دولار من الدول الشقيقة لمواجهة أزمة اللجوء وتعثرات الأزمة في المنطقة من حولنا، لم نعرف كيف نصرفها، ولم نجد الخطط التنموية المدروسة المناسبة والموزعة بين المحافظات والمُحققة للتنمية المتوازنة الحقيقة. فطفقت الحكومة حينها تخصف على الاقتصاد بمشاريع معظمها سيرتب نفقات قادمة، وبعضها لا يتعدى إصلاح طريق، أو تأهيل شارع، أو مستشفى.

صرفنا مساعدات تتجاوز قيمتها 10% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وانتهينا إلى نموٍّ يقلُّ عمّا كان يتحقَّق قبل وصول المساعدات السخية.  والدرس المستفاد هنا هو أنه حينما تأتيك الأموال المجانية السخية وأنت غير مستعد، أو لا تملك الخطط المناسبة، عندها يتمُّ الإنفاق على مشاريع لا تُوَلِّدُ إلا نفقات جارية وأعباء، وتوصلنا إلى ما وصلنا إليه من مديونية لا يمكن سدادها إلا عبر الكفلاء والمتبرعين، في حين أنه حينما تكون لديك خطط مدروسة، خطط تنمية حقيقة هدفها تحسين مستوى الاقتصاد، وتنمية المحافظات، وتحسين البنية التحتية أمام المستثمرين والمهتمين، ورفع مستوى حياة المواطن في استخدامه للطرق، وللاتصالات، وللتكنولوجيا، حينها حتى لو كان تمويل الخطط بالقروض، فإنَّ ذلك سيؤدي إلى جذب المشاريع وتحسين مستوى الإنتاجية والتنمية في الدولة، وعندها أيضاً تأتيك مشاريع حيوية تؤدي إلى نمو اقتصادي، وتؤدي إلى تحقيق دخل للدولة وللأفراد، ما يعني إمكانية تسديد المديونية وتوليد الوظائف، وخلق تنمية متوازنة.

اليوم، الحكومة تسعى إلى تحقيق مشاريع تنموية، وتعلن عن مشاريع نهضة وتنمية، وقد تقترض من أجلها، ولعلَّنا أمام أمل حقيقي في العودة إلى ذلك الزمن الذي تتوافر فيه المشاريع المدروسة بعناية، ذات الموازنات المالية الخالية من البنود الجانبية والوظائف غير المطلوبة، المشاريع الشفافة الواضحة التي تخدم التنمية الحقيقية في البلاد. والأمل أن نعود حقيقة إلى دور تخطيطي تنموي، يعود بدور وزارة التخطيط إلى الأساس الذي أنشئت من أجله، فيعود الاحتفال بالمشاريع وتمويلها، وتنفيذها، وتأثيرها، بدلاً من الاحتفال بمزيد من القروض والمساعدات التي باتت أعباء والتزامات أكثر منها إنجازات. كلما احتفلنا بقرض لا يقترن بخطة تنموية ولا يُقصَدُ منه تغطية مشروعٍ تنموي، كنَّا نقترض على حساب الأجيال الحالية والقادمة على حدٍّ سواء. القروض التي لا تخدم تنمية ولا تساعد على تنمية هي قروض غطاؤها القروض وسدادها التزامات غير مالية قد لا نستطيع تقديمها أو القبول بها.

 

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.