صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من دافوس إلى البحر الميت 2019

هناك حاجة إلى أن تقود الحكومة ترتيبات خاصة تجعل من المنتدى منصة حقيقة لجذب الانتباه إلى الأردن، اقتصادياً، وحتى سياسياً واجتماعياً، بصورة حقيقية متوازنة وموضوعية

انعقد الأسبوع الماضي الملتقى الاقتصادي العالمي في عامه التاسع والأربعين تحت عنوان “النسخة الرابعة من العولمة”، وبالرغم من أنَّ المشاركة لم تكن بالحجم والكم المعتادين في السنوات السابقة، نتيجةً لتوترات وآفاق ٍعالمية مزدحمة بالسلبية وعدم التيقن الاقتصادي على مستوى العالم، بيد أنَّ استمرار انعقاد ذلك الملتقى أمر مهم، لما يشكله من منصة حقيقية ومحفل عالمي يسعى إليه أصحاب القرار والشأن في الحكومات، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني حول العالم، ضمن أجندات تغطي المحاور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العالمية.

دافوس 2019 جاء في ظروفِ توقعاتٍ متواضعةٍ للنمو الاقتصادي عالمياً، عزَّزها تخفيض تقديرات صندوق النقد الدولي لتوقعاته حول النمو الاقتصادي، وحالة التوتر في عملية خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي، وعدم تمكُّن مسؤولي وصنّاع القرار في الولايات المتحدة من الحضور بسبب الإغلاق الحكومي.

دافوس 2019 جاء في ظل معطيات اقتصادية عالمية تقودها تحديات الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وتراجع النمو حتى في أكثر دول العالم نمواً، وهي الصين، وفي ظل تكهنات عالمية بأزمة مالية واقتصادية عالمية بدءاً من العام 2020.

وفي ظل تبنيه أجندة العمل المشترك لتحسين أوضاع العالم، فإنَّ الحديث عن التوترات التجارية بين الدول الكبرى، وأهمية تمكين المرأة، ومعضلة اللجوء حول العالم، والتوترات في القارة الأوروبية، وفي فنزويلا، كانت من الموضوعات التي تبناها الملتقى لهذه الدورة.

الشاهد من هذا كله بالنسبة لنا في الأردن، ونحن من أكثر دول المنطقة اهتماماً وتفاعلاً مع المنتدى، فقد انعقد المنتدى في البحر الميت تسع مرات منذ العام 2003، وكان منصةً رئيسة للقضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن المتوقع أن يجدد المنتدى الانعقاد في البحر الميت للمرة العاشرة، في بداية شهر نيسان/إبريل 2019 ضمن لقاءات تضمُّ ما يزيد على 50 دولة، وما يربو على 1000 شخصية عالمية من صنّاع القرار في الحكومات، والقطاع الخاص، ومؤسَّسات المجتمع المدني، للحديث عن أهم التحديات التي تواجه المنطقة.

الشاهد من ذلك كله، أنه في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، وفي ظل التحديات الكلية التي يواجهها الاقتصاد الأردني، فإنَّ الفرص مواتية للغاية للتجهيز للمنتدى بشكل مختلف هذا العام، نحن بحاجة ماسة إلى التجهيز عبر سياسات استشرافية لمستقبل الاقتصاد الأردني.

هناك حاجة إلى أن تقود الحكومة ترتيبات خاصة تجعل من المنتدى منصة حقيقة لجذب الانتباه إلى الأردن، اقتصادياً، وحتى سياسياً واجتماعياً، بصورة حقيقية متوازنة وموضوعية. كما أنَّ هناك حاجة حقيقية إلى تقديم أجندة أردنية استشرافية تقدم الأردن كبوابة للتغيرات التي تتطلبها المنطقة المجاورة وخاصة في العراق وسورية. وبعيداً عن العروض الاستعراضية التقليدية والمعتادة، والمشاريع التي يسيطر عليها فكر العرض والتقديم التصويري، أكثر من العروض الفنية المنطقية المناسبة، فإنَّ على القائمين على الترتيب لمنتدى البحر الميت القادم العمل بشكل محوري ضمن فريق عمل مع القطاع الخاص والخبراء، لتقديم تصورات استشرافية تساعد على جذب الاهتمام إلى الأردن كبوابة إقليمية اقتصادية، ومنطلق للمبادرات التي يمكن أن تخدم تطوير وإعادة إعمار دول المنطقة.

وجود ما يزيد على 1000 شخصية عالمية من نحو 50 دولة حول العالم فرصة يجب عدم تفويتها بالعروض التقليدية والمشاريع المكررة. علينا أن نقدم الأردن بشكل مختلف، ونقدمها بسياسات تحفيزية تشجيعية وإجراءات مساندة وداعمة للمهتمين ليس في الاستثمار محلياً وإقليمياً فحسب، بل للجهات العالمية المهتمة بمساندة ودعم الشباب، والمرأة، واللاجئين في المنطقة. بين اليوم وبداية شهر نيسان/إبريل القادم، على الحكومة أن تعمل ضمن فريق عمل يقدم الأردن كبوابة تفاعلية لكافة قضايا المنطقة بشتى المجالات.

تعودنا الكلام عن مشاريع واهتمامات بمليارات الدولارات بعد كل منتدى، ولكن دون تحقُّقٍ جوهريٍّ من أيٍّ منها. ومن هنا فالحاجة والفرصة أمام الحكومة الحالية إلى تقديم مقاربة جديدة للتعامل مع المنتدى القادم، وضمن حزمة من السياسات والإجراءات والاهتمامات التي تجعل الحضور يعيدون الاهتمام بما سيقدمه الأردن، ليس فقط على المستوى المحلي، ولكن على مستوى المنطقة والتطورات القادمة فيها. الملتقى الاقتصادي العالمي في البحر الميت 2019 فرصة، علينا أن لا نضيّعها، ولعلّنا نتعلّم من تجاربنا السابقة، ونقرّر أن ندخل المنتدى القادم بشكل ومضمون جديد، والأمل أن تقوم الحكومة اليوم، بتشكيل فريق عمل للمنتدى، لمعرفة كيف يمكن أن نحقّق الاستفادة الحقيقية من انعقاده للمرة العاشرة في البلاد. الفُرصة قادمة، أرجو ألا نضيّعها.

 

[email protected]

التعليقات مغلقة.