صحيفة الكترونية اردنية شاملة

كيف نشجع الصادرات الخدمية القائمة على المعرفة؟

لابد من حلول متسقة وفعالة وبرامج ناجحة، وذات أثر واسع، وقابلة للتنفيذ وفق اطار زمني محدد ومؤشرات أداء يتبعها مساءلة ثم مساءلة ثم مساءلة، وبصورة تفوق المنافسين الاقليميين والدوليين

لتحقيق دفعة قوية في النمو الاقتصادي، يُحسِن “الفريق الاقتصادي” صُنعاً باعلانه الرسمي باعتبار كافة “الصادرات الخدمية الابتكارية” أنشطة اقتصادية واعدة للقطاع الخاص عموماً، بما فيها المشاريع الريادية والصغيرة والمتوسطة، مع كل الدعم الأكبر والأيسر المصاحب، ودراسة الأثر التنموي ومراجعة وتطوير حزمة التحفيز بصورة دورية. 

يتمتع الاردن بمزايا نسبية (ظاهرة أو كامنة) في مجال تصدير الخدمات عالية القيمة، مثل السياحة العلاجية القائمة على المعرفة، والطاقة المتجددة والتقنية النظيفة، والتعليم العالي المتميز، وقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتجارة الالكترونية، والبحث والتطوير، والتعاقد الخارجي، والتدريب عالي التقنية، ومراكز الاتصال، والاعلام الالكتروني والمحتوى، والخدمات الاستشارية بكافة أنماطها، بما فيها الهندسية والمعمارية والادارية والمحاسبية والقانونية والبيئية، وغيرها. 

ومن الواضح أن اداء هذه القطاعات الواعدة هو دون مستواه الممكن والواعد محلياً، وكمثالين: تبلغ ايرادات قطاع “تكنولوجيا المعلومات والاتصالات” في عام 2016 ما يساوي 88% فقط من مستواها الأعلى في عام 2012. أما ايرادات السياحة العلاجية في عام 2017 فهي عند 74% من مستواها الأعلى في عام 2014 حسب البيانات المتاحة. بل وبعض هذه القطاعات هي في تراجع بالمعايير الدولية، ومثال ذلك: قطاع التعليم العام والعالي، رغم برامج البنك الدولي وموارده وعقوله، ورغم النمو الكبير في ايرادات السياحة التعليمية من الخارج بنسبة 29% في عام 2017 بالمقارنة مع مستواها في 2014. 

ولا علاقة قوية للصدمات الاقليمية في تشكيل هذا الوضع القابل للتطوير الجوهري، بل ربما على العكس. فقد أفرزت صراعات المنطقة فرصاً واعدة و/ أو فرصاً غير مستغلة في أنشطة كالسياحة التعليمية والسياحة العلاجية، وفي السياحة والطلب المحلي عموماً.

ويزيد من أهمية وأولوية التصدير الخدمي التنافسي، واقع السياسات الكلية التقشفية، بشقيها المالية والنقدية، التي للأسف أغفلت “البوابات الكبرى” لأنعاش الطلب والعرض المحلي، واكتفت ببعض “الشبابيك” القائمة والجديدة، متفاوتة الحجم وحسنة النية لكن تبقى محدودة الأثر على النمو الاجمالي (2% فقط حالياً) والتوظيف (24% بطالة لحملة الشهادات الجامعية). 

ومن الواضح بأن النوايا الحسنة والمزايا النسبية لا تكفي لتحسين مستمر في الأداء التصديري في عالم تنافسي في تجارة الخدمات العالمية. وهي أيضاً غير كافية لابقاء وتوظيف الكفاءات البشرية المتميزة محلياً بدلاً من الهجرة، خصوصاً تلك التي لا تملك الواسطة.

فلابد من حلول متسقة وفعالة وبرامج ناجحة، وذات أثر واسع، وقابلة للتنفيذ وفق اطار زمني محدد ومؤشرات أداء يتبعها مساءلة ثم مساءلة ثم مساءلة، وبصورة تفوق المنافسين الاقليميين والدوليين.

سيعتمد المقال في تشخيص وتطوير بيئة اعمال الأنشطة التصديرية الخدمية الابتكارية في المملكة على نموذج أسميته “النموذج الخماسي للتشخيص الاقتصادي”. من خلال هذا النموذج، يتم تشخيص الاطار التشريعي والمؤسسي والتحفيزي (الضريبي) والرقابي (التنظيمي) والمعلوماتي في قطاع او عنقود اقتصادي محدد بهدف تطويره.

كبداية، فان تنفيذ الاجراءات والبرامج التصديرية يتطلب تحديد المسؤوليات استناداً الى الاطار التشريعي القائم. وللأسف هنا سنواجه عقبة لم تُعرْها برامج “الاصلاح الهيكلي” لصندوق النقد والبنك الدوليين اهتماماً كافياً، وهي عقبة: غياب التنافسية والتشريع والمؤسسية الموحدة والعقل التصديري المركزي.

فهنالك تشتت واضح في التشريعات والمؤسسات المختصة بتشجيع الصادرات الخدمية، ما بين: وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات، وهيئة الاستثمار والمؤسسة الاردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية، ووزارة التخطيط ووزارة الصناعة والتجارة، ووزارة السياحة وهيئة تنشيط قطاع السياحة، ووزارة الصحة ووزارة التعليم العالي وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي ووزارة الطاقة وغيرها. 

وبناء عليه، لا يزال تشجيع الصادرات من الأهداف الوطنية اليتمية من منظور مؤسساتي، رغم ضخامة القطاع العام وتضخم أعداد مؤسساته. ولابد من التنسيق الفعال، والضعيف حالياً، بين جهات حكومية متعددة ومنظمات خاصة عديدة ومانحين دوليين لتحقيق النتائج المرجوة. 

وبخصوص الاطار التحفيزي، فنحن نعاني حالياً بعد اقرار قانون ضريبة الدخل الجديد من ضعف الحوافز المالية للشركات التصديرية الجديدة والناشئة في قطاع الخدمات الابتكارية عموماً (عدا على ما يبدو قطاع تكنولوجيا المعلومات). وليس من الواضح ما هي البرامج البديلة لالغاء “برنامج إعفاء أرباح الصادرات الخدمية من ضريبة الدخل” فيما يخص الاستثمارات الخدمية الابتكارية Innovative Services عموماً. 

ومن المهم أيضاً ازالة العوائق التنظيمية أمام الاستثمارات القائمة والجديدة في الأنشطة التصديرية الابتكارية (مثال: الطاقة المتجددة). ويطلق مفهوم “المقصلة التنظيمية “Regulatory Guillotine على الاصلاحات التنظيمية التي تخفف العبء الرقابي غير الضروري والازدواجية على المشاريع الناشئة والصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص. 

أما بخصوص المعلومات، فان التحسين الجوهري في الاداء التصديري يتطلب إعداد دراسات مسحية عالية الجودة للمنتجات والأنشطة والأسواق الخدمية المستهدفة ذات الفرص التصديرية العالية، وهنا نواجه بعقبة نقص الاحصاءات التفصيلية، وبيانات دائرة الاحصاءات العامة واحصاءات ميزان المدفوعات لا تزال لا تخدم دراسات الأعمال ودراسات السوق اللازمة لتخطيط برامج الصادرات الخدمية على مستوى تفصيلي (التوزيع الجغرافي مثلاً)، رغم التطور الحاصل في تطبيق الطبعة السادسة لاحصاءات ميزان المدفوعات.

أمام هذه المتطلبات التشريعية والمؤسسية والتحفيزية والرقابية والمعلوماتية اللازمة لانعاش الصادرات الخدمية الاردنية وبالتالي النمو المستدام، لابد ان تكون الاستجابة بحجم التحدي. فما هي مساهمة برنامج ما يُسمى ب”الاصلاح الهيكلي” الحالي بقيادة صندوق النقد والبنك الدوليين بهذا الخصوص؟؟ أم انه منهمك في الوقت الحاضر بقضايا هامشية غير النمو المستدام؟

مقترح هذا المقال هو ان تتحول وزارة التخطيط التقليدية الى وزارة فاعلة ذات “ولاية عامة تنموياً ومالياً” وتابعة مباشرة لرئيس الوزراء تتبعها دائرة الموازنة العامة التي تطبق نموذج “الموازنة الموجهة بالنتائج” بصورة عملية، بحيث يعهد للوزارة ملف الصادرات الخدمية والسلعية الشائك بأكمله، بالطبع الى جانب النمو التشاركي والقابل للاستمرار.

E-mail: [email protected]

التعليقات مغلقة.