صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التمويل الصَّغير ومتناهي الصِّغر

المقصود أن يتحوّل ذلك التمويل إلى أداة تمويلية حقيقية تساعد أصحاب المبادرة والمبتكرين في بداية حياتهم على البدء بمشاريعهم، وهي مشاريع قد تؤدي إلى عوائد كبيرة للأفراد، وللاقتصاد الوطني.

اللفتة الملكية بالمبادرة بالتعامل مع قضية تعثُّر بعض السيدات اللواتي لجأن إلى صناديق الإقراض والتمويل التي تمنح ما يُسمّى «القروض الصغيرة ومتناهية الصِّغر»، وعدم قدرتهنَّ على سداد استحقاقات القروض، إنما تدل على اهتمام ملكي واضح، ليس فقط في مساعدة هؤلاء السيدات في الخروج من محنتهن، ولكن أيضاً في معالجة تلك القضية من جذورها.

وهو أمرٌ يعني معالجة التحديات التي يواجهها من يتعامل مع تلك الصناديق بغض النظر عن جنسه، ذكراً كان أم أنثى.

والحقيقة أنَّ القضية تستدعي النظر إليها من عدة نوافذ. فمن ناحية، هناك الشكوى من ارتفاع كُلف الاقتراض من مؤسَّسات الإقراض الصغير والمتناهي الصِّغر، وبأسعار فائدة أو معدلات مرابحة تصل إلى نحو 30% سنوياً، أو تزيد على ذلك أحياناً.

وهي قضية سببها، من وجهة نظر الممولين، أنَّ كلف الإقراض بالنسبة لهذه الصناديق مرتفعة، وأنَّ صِغر حجم القروض يجعل الفوائد أو العوائد بسيطة وغير معنوية.

في حين يراها المُقترض مرتفعة نسبة إلى ما تقدمه البنوك التجارية أو الإسلامية من معدلات فائدة أو مرابحة.

ومن ناحية ثانية، صناديق التمويل تلك هي صناديق خاصة، تخضع إلى قانون الشركات أكثر من ارتباطها بعمل السياسة النقدية والبنك المركزي، وذلك بالرغم من تعديل التعليمات التي تعمل في ظلها، وقيام البنك المركزي في المساهمة بوضع أنظمة وإجراءات عمل لتلك الصناديق سابقاً.

وقد أظهرت الأرقام المنشورة أن حجم التمويل الذي حصلت عليه السيدات في الأردن وصل إلى نحو 7.5 ملايين دينار، وهو مبلغ ليس بالكبير نسبياً، بيد أنَّ التمويل الصغير ومتناهي الصِّغر قد يشكِّل مبالغ كبيرة خارج منظومة الائتمان المنظَّم من قِبَل البنك المركزي. وبالتالي فقد أحسنت الحكومة حينما وجَّهت بضرورة تنظيم تلك المؤسَّسات ضمن أنظمة وتعليمات البنك المركزي.

ولعلَّ الدعوة الملكية بدراسة الملف كاملاً حتى لا تتكرَّر حالة تعثُّر السيدات، أو ما يُسمّى «قضية الغارمات»، يأتي في ضرورة تدخل الجهات المعنية في رسم سياسات واضحة تؤدي، بالدرجة الأولى، ليس فقط إلى عدم تكرار الظاهرة، ولكن والأهم العمل على تنظيم الحصول على القروض وفق ضوابط تساعد على تحقيق الهدف الرئيس منها، والتخفيف من سوء استغلال القروض من قِبَل المقترض، أو استغلال الجهات المُقرضة لظروف المقترضين وحاجتهم الماسة إلى التمويل أو للمال.

وهنا ليس من المقصود وقف هذه النافذة التمويلية، أو منع استمرارها، فهي وسيلة تقوم عالميا بدور مهم في تمويل مصادر دخل لأسر وأفراد، وتفتح المجال أمام ما يسمى «الأسر المُنتجة»، وقد تكون نافذة أساسية لتمويل مشاريع الريادة الشبابية.

ولكن المقصود أن يتحوّل ذلك التمويل إلى أداة تمويلية حقيقية تساعد أصحاب المبادرة والمبتكرين في بداية حياتهم على البدء بمشاريعهم، وهي مشاريع قد تؤدي إلى عوائد كبيرة للأفراد، وللاقتصاد الوطني.

ولعلَّ من المفيد التذكير هنا بأنَّ مشروع الفيس بوك مشروع بدأ بقرض متناهي الصِّغر لم يتجاوز 200 دولار في البداية وتتطوَّر إلى 1000 دولار، إلى أن دخل إليه رأس المال المغامر ليتحوَّل إلى واحدة من أكبر الشركات العالمية من حيث القيمة السوقية. التمويل الصغير ومتناهي الصِّغر رافعة مالية مهمة، إن تمَّ تنظيمه ومراقبته بشكل سليم.

فهو رافعة للتعامل مع مشاكل البطالة والفقر والتنمية المجتمعية. وهو رافعة مهمة في زيادة مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي، وفي التحوُّل إلى مفهوم الأسر المُنتجة.

وختاماً، فإنَّ التوجُّهات الملكية الواضحة تدعو إلى وضع هيكلية مؤسَّسية لموضوع التمويل الصغير والمتناهي الصِّغر، كما أنها تدعو إلى وضع إطار مناسب يساعد ذلك التمويل على القيام بدوره المطلوب في الاقتصاد الوطني، ذلك الدور الذي يعزز من دور مؤسَّسات التمويل المعنية في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وفي الوقت نفسه يحقِّق طموحات شريحة مهمة من الأفراد من الجنسين في توفير دخل مناسب لهم ولأسرهم، ويجعلهم قوة اقتصادية فاعلة ومنتجة في المنظومة الاقتصادية الوطنية.

وهنا لا بدَّ أن نقول إنَّ هناك تطبيقات عالمية مثالية ومناسبة يمكن اللجوء إليها، وبالتالي فالمطلوب دراسة تلك التطبيقات وتطويعها لما ينفع الاقتصاد الوطني ويساعد على الوصول إلى الدور الحقيقي والهدف الأساس من تلك المؤسَّسات.

[email protected]

التعليقات مغلقة.