صحيفة الكترونية اردنية شاملة

حقائق اقتصادية مؤلمة

كان من ضمن واجبات عملي في شركة بطاقات عالمية كمسؤول عن منطقة دول شرق المتوسط في ان اتابع الاخبار السياسية و الاقتصادية والتحليلات المالية الصادرة عن الصحف والمجلات واخبار البنك المركزي في كل بلد وذلك حتى احلل وضع البلد سياسيا و اقتصاديا وحتى لا نفاجأ بافلاس اي بنك، او بانخفاض اسعار الصرف للعملة المحلية في اي من هذه البلدان لما لذلك من تاثير سلبي على كل القطاعات ، وقد كانت التحليلات التي اقوم بها تقول ان بعض هذه البلدان في حالة استقرار نقدي.. وان بلدا منها يعيش ابناؤه فوق قدراتهم المالية ، بمعنى انهم يصرفون اكثر مما يكسبون. وكان من ضمن التحليلات ان بعض السياسيين كانوا يؤخرون عمليات الاصلاح المالي ورفع المبالغ المخصصة للدعم تخوفا وهروبا من مواجهة الوضع في الانفاق الذي لن يستطيعوا الاستمرار فيه كحكومات.. وبذلك يفقدون الفرصة في ان يتعلم الناس قيمة المواد الحقيقية التي يشترونها، فيقررون بعدها فيما اذا كانوا سيستمرون بالصرف بنفس الزخم والشراء رغم ارتفاع الاسعار، او انهم سيساعدون انفسهم بتخفيف الاستهلاك وشراء الاحتياجات الفعلية فقط.. بالاضافة الى الابتعاد عن حالات البذخ والهدر في الطعام او التنقلات وهكذا. 

لقد تعودت شعوب المنطقة على ان لا تحاسب الحكومات ورغم ادعاء مسؤوليها باهتمامهم بالشعوب ولكنه وللاسف لا تاتي الممارسات الحكومية صحيحة، او ضمن برنامج وجدول زمني لتتم محاسبة الحكومات على اساس الانجاز، وياتي فوق ذلك تجاوز مجالس النواب وغض النظر عن غياب البرامج الاصلاحية الحكومية وبالتالي تغيب لاحقا القدرة على المحاسبة، وتضيع الامور لوقت لاحق لا يفيد الاجراء فيه. والذي يدفعني لكتابة عنوان المقال هكذا 

هو ما وجدته هنا في هذه المنطقة وايضا في 

مناطق اخرى في العالم واهمها اولا) ان السياسين الجادين في العمل والاصلاح تتم مقاومتهم من قبل المستفيدين والذين لهم مصلحة في عدم الاصلاح 

ثانيا) يستطيع نفس المستفيدين اثارة الراي العام ضد المسؤولين الجادين .

ثالثا) يجهل الناس ان بعض المستفيدين – ان لم نقل معظمهم- يملكون اموالهم بالعملات الاجنبية وهي بالملايين، واستمرار تدهور الاوضاع الاقتصادية يؤدي بنظرهم الى انهيار اسعار الصرف، ويمكنكم ان تقدروا انه اذا كان احدهم يملك عشرين مليون دولار ونزلت قيمة العملة ٣٠ بالمائة فاننا اذا طابقنا ذلك على الدينار كما يشيعون، اي بان يصبح الدبنار دولارا، فان حدوث ذلك يعني بان قيمة العشرين مليون دولار ستوفر لهم ٦ ملايين دينار كربح فوري يستطيعون به شراء الاراضي والعقارات وانفاق ستة ملايين على راحتهم للعديد من السنوات وبدون ان تكون خاضعة حتى للضريبة. رابعا) كل من لم يقم بالاصلاح فهو المذنب اولا، وليس من يحاول الاصلاح لاحقا. خامسا) كل من اخفى الانفاق خارج الموازنة فقد خالف الدساتير واخفى مؤقتا شيئا لا يمكن اخفاؤه مطولا. سادسا) كل من يطالب بالاصلاح ويتقدم له يجابه لاحقا بالهجوم عليه خاصة، اذا كان في برنامج الاصلاح رفع لدعم للسلع. سابعا) كل من يطالب بالاصلاح مطالب وفي اي بلد بوقف الهدر في الانفاق العام، وبمحاربة الفساد بكافة اوجهه ومحاربة الفاسدين ومحاسبتهم مهما كانت مناصبهم، وللاسف يكتشف الجميع ان هناك حدودا لا يستطيعون تجاوزها او الوصول اليها في المحاسبة. ثامنا) لا يحسب الناس تكاليف سرقات الماء والكهرباء والتي ترتب خسارات دفعت على التوليد وايصال المياه، ففي بلد مثل لبنان كانت خسائر شركة الكهرباء نتيجة السرق او عدم التسديد تصل الى ٥٠٠ مليون دولار سنويا.. واستمرار ذلك لعشرة سنوات مثلا يزيد الدين العام بخمسة مليارات. تاسعا) لا احد في العالم يحب ان يدفع ضريبة للحكومات، ولهذا فرضت ضريبة المبيعات . 

ولكن البحث عن التهرب الضريبي و زيادة مداخيل الضريبة سيستمر للابد لانه اداة تحقق العدالة.. وللاسف فان المبدا المالي الذي يقول بان خزائن الدول هي جيوب مواطنيها هو مبدا باق، والشيء الحقيقي الذي يجب ان يسود هو في التحصيل الجاد بدون التغاضي عن احد، وفي ان يعرف المواطنون بان الضرائب تجبى لتغطية تكاليف الدولة الصحيحة، والتي تنفق بالعدل والتساوي وتخدم اغراض الدولة بالتنمية والتطوير وتحسين الخدمات.

ستجابه معظم دول العالم بوضع مثل اوضاعنا، وسيتطلب اصلاح وضعهم ووضعنا في وضع تصورات جديدة للعلاقة بين الدولة ورعاياها. وهو ما نسميه “العقد الاجتماعي” بين المواطنين والحكومات، لانه سيكون المحدد والاطار الرئيسي للتعامل بدون الدخول في فوضى سياسية او مالية. 

اما الان فاقول انني اود الحكم على هذه الحكومة ورئيسها عبر جديتها في التعامل مع الملف الاقتصادي بدءا من الحفاظ على سعر صرف الدينار، وانتهاءا بتنفيذ الامور المطلوبة بعدالة ومساواة فهو قد استعد للمسائلة والمحاسبة بشجاعة، وسابقى ناصحا لدولته بان جديته يجب ان تشمل الاستماع للناس ولمطالبهم وان يقنعهم عبر وزراءه بان ما يفعله لصالحهم.

. حماك الله يا بلدي

التعليقات مغلقة.