صحيفة الكترونية اردنية شاملة

حوادث السير في عام 2016: المشكلة والحل

750 حالة وفاة، ما يفوق 1800 حالة اصابة بليغة، نحو 16 الف حالة اصابة بسيطة، تكاليف مالية تفوق 320 مليون دينار (تمثل أكثر من ثلث عجز الموازنة العامة). هذه هي للأسف بانوراما الحوادث المرورية في المملكة في عام 2016 فقط حسبما سجلها التقرير السنوي للحوادث المرورية الصادر عن مديرية الأمن العام.
هذه الصورة الكلية تشكل تحدياً انسانياً ومالياً وتنموياً، بل هي للأسف مجزرة المرور السنوية والمتكررة. أرقام الأعوام السابقة لا تختلف جوهرياً عن عام 2016: يومياً هنالك في المتوسط وفاتان واربعون جريحاً على الأقل تقع في اطار نحو 30 حادث يومي مسجل ويصاحبه اصابات.
على مستوى الاهتمامات الاعلامية والرسمية العامة، لا تزال مؤشرات الأداء في خطط التنمية في الاردن وحول العالم تركز على المؤشرات المالية والاقتصادية كعجز الموازنة ومعدلات النمو الاقتصادي وتتجاهل أو تقلل من شأن المشكلات الاجتماعية وأداء النظام الاجتماعي (وليس أداء النظام الاقتصادي). أيضاً معظم علماء الاجتماع ومحللي السياسة الاردنيين قد أخلى الساحة الى الاقتصاديين والماليين وكأن العالم يحيا في جنة بالمنظور غير الاقتصادي.
التشخيص كما يقال هو نصف الحل والتقرير أعلاه مشكوراً يشخص الاحصائيات بشكل دقيق. لكن الحل يعتمد على تقصي العوامل التفسيرية المسببة أو المرتبطة بحوادث السير أيضاً.
عند حصر العوامل الرئيسية المفسرة للصورة المرورية المحلية، لا يريد الكاتب أن يستبعد دور السلوك البشري (الاستهتار) في رسم هذه الصورة المرورية المؤلمة في بلدنا، فهو بلاشك أحد الأسباب الرئيسية. أحد مؤشرات ذلك ان توزيع السائقين المشتركين في الحوادث يرتفع بوضوح ضمن الفئات العمرية 21-29 سنة. لكن التوزيع العمري ذاته يظهر ان بقية الفئات العمرية ليست معصومة، فهي تساهم ولو بدرجة أقل تناسبياً في المشكلة. اذن هنالك عوامل موضوعية أخرى لا تُعالج بالاجراءات القانونية الصارمة على أهميتها.
أكثر من ثلثي الحوادث المسجلة التي يصاحبها اصابات (تحديداً 68 %) سببها فئة السيارات الركوب الصغيرة. الزيادة المطردة في أعداد السيارات الصغيرة مع زيادة أعداد السكان هي الحقيقة النموذجية الرئيسية للنقل البري في المملكة. لدينا في الاردن مركبة لكل 7 أشخاص في عام 2016 مقابل مركبة لكل 58 شخصاً في مطلع السبعينيات من القرن الماضي حسب التقرير المذكور أعلاه. أما البنية التحتية فهي تتطور لكن بسرعة أقل بوضوح.
لكن لماذا لدينا 1.5 مليون مركبة مسجلة لمجتمع لا يتجاوز عدد سكانه الاردنيين 7 مليون نسمة؟. لماذا أكثر من نصف الأسر الاردنية تملك سيارة واحدة على الأقل حسب أرقام دائرة الاحصاءات العامة؟
لا اريد الاسترسال في الحديث بأن قرار شراء سيارة خاصة هو مثال حي على التناقض المستتر بين العقلانية الفردية وبين العقلانية والنتائج الجماعية في ظل بنية تحتية ثابتة نسبياً. لكن كيف نخفف من هذا التناقض غير العقلاني؟. الأساس في الحل هو توفير البديل المنافس للسيارة الخاصة: خدمات نقل عام ميسرة وملائمة ومنخفضة التكاليف، خصوصاً الى مراكز العمل والدراسة (الجامعات كمثال).
وبناء عليه، نحتاج وبالحاح الى شبكة سكك حديدية خفيفة تربط بين عمان الشرقية والغربية وبين مدن ومناطق المملكة. هذا سيساهم في تقليل كلفة الأعمال والتجارة وفي تنشيط السياحة الداخلية ويقلل من حدة مشكلة حوادث المرور السنوية. برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكنه تمويل مشاريع السكك المقترحة.
تعزيز دور الرسالة الدينية والاعلامية بخصوص قدسية النفس البشرية لدى السائقين، وضرورة الصيانة الوقائية المنتظمة للسيارات، وبناء البنية التحتية لوسائل نقل صحية مثل الدراجات الهوائية والهايبرد هي عوامل هامة أيضاً. هنا الاعلام الاجتماعي له الريادة بالتأكيد. وهنا لابد من التنويه بأن كراجات صيانة المركبات تحتاج الى تنظيم ورقابة حكومية أفضل.
وزارة النقل وهيئة تنظيم النقل البري ووزارة التخطيط لدينا معنية أيضاً بتقديم الحلول المرورية الاستراتيجية والموضوعية لايقاف هذه المجزرة السنوية. ولابد من مؤشرات أداء كمية وسنوية بهذا الخصوص عند تصميم نظام الرقابة على اداء القطاع العام.

التعليقات مغلقة.