صحيفة الكترونية اردنية شاملة

«مجموعة السبع».. والحرب التجارية

د. وحيد عبد المجيد

ظل المعنيون بالعلاقات الدولية عموماً، والنظام الاقتصادي العالمي خصوصاً، يرقبون آثار السياسة الأميركية الجديدة التي تتبعها إدارة الرئيس دونالد ترامب منذ أواخر العام الماضي. تقوم هذه السياسة على مراجعة العلاقات التجارية الأميركية، وإعادة النظر في الاتفاقات التي ترى هذه الإدارة أنها مجحفة بحقوق الولايات المتحدة، وفرض رسوم على بعض السلع والمنتجات، أي انتهاج سياسة حمائية جزئية للمرة الأولى منذ إدارة الرئيس ويليام مكنلي (1897 -1901).

وشهدت الأشهر الماضية جدلاً واسعاً بين الخبراء الاقتصاديين، وغيرهم من المعنيين، حول احتمال أن تفتح السياسة الأميركية الجديدة الباب أمام حرب تجارية عالمية تُغيِّر الأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي العالمي منذ أن انتصر الغرب الرأسمالي في الحرب الباردة ضد المعسكر السوفييتي الاشتراكي.

ولم يكن مَن يتوقعون نشوب مثل هذه الحرب واثقين تماماً من أنها ستحدث، كما لم يكن من يستبعدونها متأكدين تماماً من أنها لن تندلع. غير أن المشهد المتوتر في قمة مجموعة السبع، التي عُقدت يومي 8 و9 يونيو الجاري، ربما يدعم موقف من يعتقدون أن حرباً تجارية عالمية أصبحت وشيكة، بعد أن ظهر حجم الفجوة بين الرئيس ترامب والقادة الستة الآخرين الذين حضروا هذه القمة.
كان الخلاف واضحاً قبل القمة، لكنه صار أكثر وضوحاً في نهايتها. فبعد تفاهم صعب على إصدار بيان يؤكد مبدأ التجارة الحرة، أبدى ترامب غضبه من بعض ما قاله رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في المؤتمر الصحافي الختامي، وغرد عبر «تويتر» معلناً أنه قرر سحب تأييد الولايات المتحدة لهذا البيان.

وهكذا لم تخفق القمة في تقريب وجهات النظر فقط، بل خلقت أجواء أكثر سلبية قد تؤدي إلى انقسام غير مسبوق منذ تأسيس «مجموعة السبع»، وخاصة بعد أن تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أن أوروبا ستحافظ على وحدتها، وتُشكل جبهة واحدة، الأمر الذي يعني ضمناً أن الولايات المتحدة هي الجبهة الأخرى.

ومضى وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في الاتجاه نفسه حين قال إن الخلافات مع واشنطن وصلت إلى مستوى لا يمكن التغاضي عنه، وإن السياسة الأميركية «المنفردة والفوقية» تُلحق الضرر بأوروبا.

كما واصل ترامب، من جانبه، خطابه المعبر عن اقتناعه بأن العلاقات التجارية العالمية ليست عادلة بالنسبة للولايات المتحدة، وأن تغييرها ضروري أياً تكن النتائج، وحذّر من أن لدى بلاده ما ترد به على أية إجراءات مضادة للرسوم الإضافية التي فرضها على واردات الصلب والألومنيوم، وكرر طلبه بشأن منح السلع والبضائع الأميركية تسهيلات للنفاذ إلى أسواق الدول التي يوجد خلل في الميزان التجاري معها.

ولا تقتصر الخلافات التجارية على الولايات المتحدة وشركائها في «مجموعة السبع»، فالخلافات بين أميركا والصين أوسع، وخطرها قد يكون أكبر. الصين هي المصدر الأول لقلق ترامب. وقد سجل فائض بكين التجاري مع واشنطن زيادة أخرى في مايو الماضي، على نحو يزيد القلق الأميركي، بعد أن وصلت الفجوة في الميزان التجاري لمصلحة الصين في العام الماضي إلى 375 مليار دولار وفق الحسابات الأميركية.

وكان ترامب يطالب، قبل الزيادة الجديدة، بتضييق هذه الفجوة بمقدار مائتي مليار دولار، وهو ما تراه الصين غير واقعي ويتعذر تحقيقه. ويبدو أن أقصى تنازل يمكن أن تقبله الصين لن يزيد كثيراً عن العرض الذي قدمه وفدها خلال الدورة الثالثة للمحادثات التجارية مع واشنطن في مطلع الشهر الجاري، وهو زيادة وارداتها من السلع الأميركية بمقدار 70 مليار دولار، وفق ما أوردته صحيفة «وول ستريت جورنال» في الخامس من الشهر نفسه.

غير أن لهذه المحادثات دلالة مهمة، وهي أن الباب لم يُغلق بعد أمام التوصل إلى تفاهمات تتيح حلولاً جزئية لبعض الخلافات التي يهدد استمرارها بنشوب حرب تجارية. وإذا أمكن التوصل إلى اتفاق أميركي صيني يُقلل حدة الخلافات، فالأرجح أنه سينعكس على العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأخرى في «مجموعة السبع». وفي هذه الحالة، قد يضعف احتمال نشوب حرب تجارية، لكنه سيبقى مخيماً في سماء العالم بعد ما تبين أن الصيغة التي أُسست بموجبها منظمة التجارة العالمية أكثر مثالية مما يتحمله واقع صراعات القوة في المجتمع الدولي.”الاتحاد”

التعليقات مغلقة.