صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لماذا يسوء الوضع المالي؟ فتش عن النمو والطلب

بهذا التساؤل الهام “لماذا يسوء الوضع المالي؟” عنون احد الزملاء الاقتصاديين مقاله المنشور بتاريخ 8/9/2018 في أحدى الصحف اليومية الأردنية. المقال يقدم سؤالاً استراتيجياً لكنه يجيب عليه ويعالجه، برأيي، بصورة غير تكاملية.
مقال الزميل وضّح سؤاله كما يلي: “إذا كانت الحكومة ]قد[ انسحبت من دعم الخبز والكهرباء والمحروقات، فلماذا ترتفع المديونية ويزيد العجز، وتأكل النفقات الجارية الزيادة في الإيرادات المحلية؟” (انتهى الاقتباس).
اجابة مقال الزميل كانت: عدم التقيد بالموازنة العامة وتنامي حجم القطاع العام في المملكة ممثلاً بالنفقات الحكومية. وأما الحل التقليدي للزميل فيتمثل في: مزيد من “الاصلاحات”، قاصداً بذلك مزيداً من “الاصلاحات المالية” (على جانبي الايرادات والنفقات معاً) بغية تحقيق الاعتماد على الذات.
مع تقديري لطرح السؤال الهام من قبل الزميل الاقتصادي، فان الضعف الرئيس في تصوره للحل يكمن في: ان الموازنة العامة هي جزء من كل (هو الاقتصاد)، والأداء الاجمالي لهذا (الكل) لابد ان ينعكس على أداء الموازنة حسب مبادئ النظرية العامة للنظم .General Systems Theory فعندما يكون أداء أبرز مكونات الاقتصاد الكلي (وهي أساساً القطاعين الانتاجي والتصديري) دون مستواه الممكن او الكامن لمدة تصل الى ستة أعوام على الأقل، ماذا تتوقع من أداء الموازنة؟
وبناء عليه، فان الوضع المالي لم يتحسن رغم الاجراءات المالية المتتابعة انما بسبب استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي والتقلص المتزايد في الطلب الكلي، بشقيه المحلي (القوة الشرائية المحلية) والدولي (الصادرات الوطنية). هذا سيؤثر جانبياً على حجم التجنب والتهرب الضريبي من منظور تفسيري بحت. الصدمات الخارجية هامة أيضاً وتفسر جزءاً من القصة، لكن هنا تبرز الادارة الحصيفة للاقتصاد الكلي من منظور استراتيجي ووقائي واستشرافي طويل الأمد لتحسين مرونة وحصانة وتنافسية الاقتصاد الاردني تجاه الصدمات الخارجية، وهذا مجال أخفقت فيه كل من برامج صندوق النقد والبنك الدوليين و”العقل الاقتصادي المركزي”.
تضخم حجم القطاع العام وضعف كفاءته النسبية هي مشكلة هيكلية وهامة رغم اشتراكها مع العديد من دول العالم، وهي أيضاً جزء ثالث من القصة، ولم يستطع البنك الدولي ان يحلها رغم برامجه وقروضه ومساعداته المتعددة في مجال اصلاح وتطوير واعادة هيكلة القطاع العام. لكن التساؤل المهم في الاجل القصير والمتوسط هو: لم تقصّر الايرادات المحلية عن بلوغ تقديراتها المخططة والمتوقعة في قانون الموازنة العامة؟ فتش عن النمو الاقتصادي خلال الأعوام الثمانية الماضية.
وليعذرني القارئ ان اعيد تذكيره بعنوان مقال سابق: “هل سيصدر قانون التخطيط الوطني في عام 2018 كذلك؟”. فالاعتماد على الذات لاقتصادنا الوطني -وهو هدف هام نلتقي عليه جميعاً- يتحقق في الأجل المتوسط والطويل من خلال تطوير الحوكمة الاقتصادية، بما فيها الدمج الخلاق بين اصلاحات القطاعات الانتاجية والمالية والخارجية والنقدية، ليس بصورة محاسبية كما هي منهجية البرمجة المالية للصندوق، وانما بصورة هيكلية ومتكاملة تأخذ بالاعتبار العلاقات السببية بين أداء مختلف القطاعات، وتعطي برأيي النمو الاقتصادي والقطاع الانتاجي والتصديري الأولوية رقم (1).

التعليقات مغلقة.