صحيفة الكترونية اردنية شاملة

خطاب دولة الرئيس.. نظرة تقييمية

يمكن تلخيص حديث دولة الرئيس في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية وتقييمه كما يلي:

أبرز نقاط القوة:

1. شفافية الطرح والدرجة العالية من المصداقية والموثوقية ومخاطبة الجمهور بلغة سلسة وبسيطة قريبة للقلب وسهلة للفهم، والتفاعل الإيجابي مع أسئلة الحضور.

2. استعراض خلفية الأزمة الاقتصادية الأردنية بدءا من عام 1989 ولغاية الآن، ومحاولات الحكومات المتعاقبة للتعامل معها، والانحراف في النهج منذ عام 2007 ودخول الوطن بما أطلق عليه “الحلقة المفرغة” والذي أدى لتراكم المديونية والعجز التجاري وانخفاض نسب النمو الاقتصادي منذ ذلك الحين.

3. الإقرار بحجم العبء الضريبي على المواطن الأردني والذي بلغ 26% ويعتبر مرتفعا وفق المقاييس العالمية، وتوضيح أن المشكلة تكمن في العبء الضريبي والتهرب الضريبي وليست في قلة الضرائب.

4. الإقرار بعدم عدالة توزيع الضرائب وتركيز المنظومة الضريبية على ضريبة المبيعات (والتي يتحملها الغني والفقير على حد سواء) و تشكل 70% من إجمالي التحصيل الضريبية، بدلا من التركيز على ضريبة الدخل على الأغنياء فقط، الأمر الذي أدى إلى زيادة الغني غنى والفقير فقرا.

4. التقدم ببعض الأفكار الريادية خارج الصندوق مثل انشاء شركة قابضة بمساهمة الحكومة والمواطنين والتي يمكن أن تسهم في جذب أموال الأردنيين المودعة في البنوك المحلية ( والتي تقدر ب 42 مليار دينار اردني)، بالإضافة لتلك المودعة في الخارج واستغلالها في تنفيذ مشاريع استثمارية كبرى في المملكة.

5.الإقرار بأهمية المغتربين الأردنيين كثروة وطنية غير مستغلة وضعف الحكومات المتعاقبة في التواصل معهم وتعريفهم بالفرص الاستثمارية المتوفرة في وطنهم وكيفية تمكنهم من دعم وطنهم والمساهمة الفاعلة في بنائه.

أما أبرز مجالات وفرص التحسين فهي كما يلي:

1. بالرغم من وضوح الإطار العام لعمل الحكومة والمبادرات الاستراتيجية الرئيسية التي تسعى لتنفيذها في مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، إلا أن العديد من الأفكار جاءت عامة دون توضيح لآلية تنفيذها أو الإطار الزمني لذلك. فمثلا لم يتم توضيح آلية تفعيل التواصل مع المغتربين أو إنشاء الشركة القابضة التي ذكرها الرئيس في حديثه.

2. بالرغم من إقرار دولة الرئيس بأن عدم عدالة التوزيع الضريبي والتهرب الضريبي هي المشاكل الرئيسية التي تواجه منظومة الضرائب في الأردن، وليس حجم الضرائب، وأن الأصل في الموضوع هو فرض الضرائب على الأغنياء وإعطائها للفقراء “دون الاعتذار من أحد” (جملة معترضة غاية في الإيجابية والقوة) على حد قوله، إلا أنه عاد وانحراف 180 درجة عندما ذكر بوضوح بأن الزيادة في ضريبة الدخل لن تشمل “القطاعات الاقتصادية التي تستطيع عكس تلك الضريبة على المواطنين مثل قطاع البنوك”، وهذا مؤشر غير إيجابي للقانون الجديد. فدولته يعلم بأن أي قطاع اقتصادي، وليس فقط قطاع البنوك، يمكنه أن يعكس الضريبة على المواطن، وتبقى المنافسة بين العاملين في القطاع هي الرادع لها للقيام بذلك وليس نوع القطاع الاقتصادي. وكأنما هي كلمة حق يراد به باطل… مجرد مبرر لعدم رفع الضريبة على بعض القطاعات التي تستحق رفعها عليها، مما يشكل معضلة حوكمة كبيرة وعميقة وواضحة يجب أن تكون الحكومة ورئيسها من الحكمة زالوعي لتجنبها وتفاديها.

3. بالرغم من تطرق دولة الرئيس إلى أن الحكومة ستركز على الصناعات المشغلة لليد العاملة والصناعات التصديرية والصناعات في المحافظات النائية وتوجيه الإعفاءات لها، إلا أنه لم يوضح الإطار العام “لزيادة النضج الاقتصادي” في المملكة وطبيعة الحوافز المقدمة لتمكين ذلك. كما لم يوضح الرئيس سياسة الحكومة في التركيز على الصناعات الاستخراجية غير المستغلة كالصخر الزيتي والنحاس واليورانيوم والسيليكا (نفط الاردن)، وصناعات الطاقة المتجددة والاقتصاد المعرفي والثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا المعلومات والمشاريع الابتكارية والاستشرافية في كافة القطاعات، بالإضافة إلى المشروع الاستراتيجي للمدينة الجديدة والذي طرحته الحكومة السابقة.

4. وضمن نفس السياق، لم يوضح الرئيس فيما اذا كانت قناعته بأن الاردن محدود الموارد (كما يشاع منذ القدم) ام لا. وهو بالطبع ليس كذلك. فالاردن غني بموارده البشرية والطبيعية. فاذا كان الامر كذلك، وهو كذلك، فلماذا لا يتم استغلال ثروات الأردن البشرية والطبيعية في تحقيق نهضته وما هي خطة الحكومة في ذلك.

5. بالرغم من تطرق الرئيس إلى مشروع الخدمات والحكومة الإلكترونية، إلا أنه لم يعكس نظرة الحكومة والتزامات الكامل لتطوير وتميز الأداء الحكومي، ونظرته لذلك كمحرك رئيس لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في المملكة وخطة الحكومة الشمولية بهذا الشأن.

6. تطرق الرئيس “للحلقة المفرغة” التي يعيشها الوطن من تعاظم المديونية وضعف الاستثمار وبالتالي تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة، وحاول استعراض الإطار العام لكسر الحلقة وتحويلها إلى ما اطلق عليه بالحلقة الحميدة (Virtuous)، موضحا أن الخطوة الأولى تأتي بتشجيع الاستثمار، إلا أن الاجابة جاءت عامة جدا وغير محددة أو شافية لكيفية كسر هذه الحلقة.

7. بالرغم من إقرار الرئيس بأن الأردن قطع أشواط هائلة في قطاع التعليم بين أواسط الستينيات (عندما كان الثاني سوءا بعد اليمن) إلى أن أصبح من الدول الرائدة عالميا في التعليم خلال العقود الثلاثة التي تلتها، بجهود رجالات الوطن الخيرين في ذلك الوقت، إلا أنه لم يتطرق إلى انحدار التعليم خلال العقدين الماضيين، خلقا وثقافة ونوعا وتربية، وكيفية التعامل مع تحدياته، هذا بالرغم من أشارته العامة لوجود خطة حكومية بهذا الشأن قيد الأعداد.

8. أقر الرئيس بأن الفساد يعد من أبرز التحديات التي تواجه الوطن وان الحكومة جادة في محاربته واستعرض بعض الخطوات التشريعية (كقانون من أين لك هذا وقانون هيئة النزاهة) والتنفيذية التي تسعى لتنفيذها الحكومة بهدف تعزيز منظومة مكافحة الفساد والتعامل مع قضايا الفساد الرئيسية كالفوسفات والدخان، وأوضح أن الحكومة تتعامل مع الموضوع بشكل متدرج (ما بين التركيز على القضايا القديمة أو الجديدة). اسلوب اجابة الرئيس على هذا الموضوع الهام والمحوري وعمومية الاجابة وتأخيرها في حديثه لنهايته يمكن ان يفسر بعدم جدية الحكومة بتناول الملف “الاهم” من وجهة نظر كثيرين من ابناء الوطن، ويعكس عدم شمولية النظرة في محاربة كافة قضايا الفساد وبشكل فاعل وعدم وجود استراتيجية واضحة وشمولية للحكومة لذلك وبما يرتقي وتوجيهات سيد البلاد وتطلعات وآمال شعبه.

9. بالرغم من إقرار الرئيس بأن من أبرز التحديات التي تواجهها الحكومة هو ضعف أو انعدام الثقة بين الحكومة والشعب إلا أنه لم يتطرق إلى منهجية وخطة الحكومة في إعادة هذه الثقة.

10. بالرغم من الدرجة العالية من المصداقية والثقة الشعبية التي يتمتع بها الرئيس، والتي أشار إليها في حديثه، وبالرغم من سهولة الحديث وسلاسته، إلا أن الحديث عن بعض القضايا الجوهرية، كمحاربة الفساد، يجب أن يكون بأسلوب أكثر جدية وقوة وحزما بما يشير لجدية الحكومة في التعامل مع هكذا ملفات.

بالمحصلة النهائية فإن حديث دولة الرئيس يعتبر نقلة نوعية ايجابية في أسلوب مخاطبة رئيس الحكومة لأبناء شعبه، شكلا ومضمونا، ويستحق الثناء عليه، ويجب الاستمرار على هذا النهج مستقبلا من قبله ووزراء حكومته ليشمل كافة محافظات المملكة بما يضمن ايصال الرسائل الواضحة والصريحة والصحيحة لرؤية الحكومة وخططها المستقباية لكافة شرائح المجتمع الأردني.

بالرغم من ذلك، فإن بعض محاور الحديث بحاجة إلى تعزيز وتقوية وتوضيح أكبر مع ذكر بعض التفصيلات والأطر الزمنية لتنفيذها، وعلى الأخص تلك المتعلقة بالنهوض بقطاع التربية والتعليم والصناعة ومحاربة الفساد ومكافحة التهرب الضريبي وتنفيذ المشاريع الاقتصادية الكبرى والتواصل مع المغتربين… والتي يمكن أن تعطي الثقة، بوضوحها وشموليتها وتفصيلاتها، للمواطن الأردني بوجود النور بنهاية النفق المظلم…

حفظ الله الأردن عزيزا وقويا ومنيعا. .. وحماه شعبا وارضا وقيادة…

التعليقات مغلقة.