صحيفة الكترونية اردنية شاملة

قانون الضريبة.. تعديل لا بد منه

في ظل الشعور بارتفاع العبء الضريبي الكلي في البلاد، وهو ما عرضته الحكومة الحالية بكل وضوح وشفافية، تصبح المشكلة اليوم عدم تقبُّل العامة لأيّ تعديلٍ ضريبيٍّ يُلَمِّحُ صراحة أو ضمناً إلى زيادات في اقتطاعات الضريبة، أو في معدلها، أو في الفئات الخاضعة لها. وقد بذلت الحكومة الحالية، بل واستنفدت السُّبل كافة، لفتح حوار حول القانون، محاولةً إيصال رسالة ضمنية مفادها أنَّ قدرتنا على تسيير دفة الاقتصاد في العام القادم تُحتِّم الاستجابة لمتطلباتٍ التزمتْ بها حكومة سابقة حول تعديل قانون ضريبة الدخل.

وبغير ذلك لن نحصل على “شهادة حسن سير وسلوك” من صندوق النقد الدولي، وهي الشهادة التي تُسمى في عُرف الاقتراض الدولي ختم الصندوق Fund Seal of Approval ، وبدون هذه الشهادة فلن نتمكن من الاقتراض دولياً أو حتى الحصول على مساعدات خارجية. علماً بأنَّ الموازنة عام 2019 ستحتاج إلى الأمرين كليهما؛ الاقتراض الخارجي والمساعدات الخارجية، لغايات سداد المديونية الخارجية المستحقة، أكثر منه لغايات نفقات جارية أو تنموية للعام القادم. والحقيقة التي لا بدَّ من تقديرها بشكلٍ موضوعيٍّ، أنَّ الحكومة في موقفٍ لا تحسد عليه، فلا هي قادرة على وقف التزام تعديل القانون، بل لعلَّها تتمنّى ألا تحتاج إليه وألا تقترب منه، ولا يتوافر لديها من بدائل تساعدها على اجتراح حلول بديلة للتعديل. علما بأنَّ التعديل اليوم لا يعني أن تتأثر إيرادات الخزينة بشكلٍ كبيرٍ اعتباراً من العام القادم، ذلك أنَّ التعديل الذي سيمسُّ الدخل للعام 2019 لن يؤتي أكله كاملاً إلا في إيرادات الحكومة من ضريبة الدخل للعام 2020، وما ستحصل عليه الموازنة في العام 2019 مبلغ زهيد ناتج عن اقتطاعات ضريبة الدخل على الأفراد، وبعض المبالغ التي يمكن أن تحصل عليها كدفعات مقدمة على ضريبة الدخل من البنوك والمؤسَّسات القادرة على الدفع المُبكّر.

الشاهد ممَّا سبق أنَّ الحكومة أمام استحقاق يتعلّق بالتزامٍ دوليٍّ، ولعله أيضاً التزام يضعها أمام مصداقية دولية أيضاً، أكثر ما يتعلّق بقناعة محلية بالتعديل. وهو التزام حصيلته المالية الآنية متواضعة للغاية إذا ما قيس بالحاجة الحقيقية إلى مزيدٍ من الإيرادات لدعم توجُّهات الحكومة نحو الإنفاق الرأسمالي وتحسين عجلة النمو الكلي في البلاد. في ظل هذه المعضلة، وفي ظل الحاجة الحقيقية إلى الوفاء بالتزامات المملكة أمام المجتمع الدولي، وليس فقط الصندوق، يصبح من المطلوب تمرير تعديل على قانون ضريبة الدخل يحقّق الالتزام الدولي، ويقلّل الاحتكاك الداخلي.

وهنا قد يكون من المفيد النظر في ثلاثة مقترحات محددة ضمن الاجتهاد بمساعدة الحكومة على تحقيق الأمرين. المقترح الأول، القيام بتعديل ضريبة الدخل دون المساس ببند الإعفاءات الفردية للشخص الطبيعي، وهنا يقتصر التعديل على اتباع نظام فوترة صارم لضبط تهرُّب العديد من أصحاب المهن عالية الدخل ضعيفة الالتزام. وهي معروفة للجميع، مع ضرورة شرح مدى التهرُّب الضريبي الذي يمارسه العديد من المنتسبين لهذه المهن، وهو شعور عام نلمسه ونكاد نجزم بوجوده، وفي تقديري أنه سيحقِّقُ أضعاف ما يمكن أن يحقِّقَه المساس ببند الإعفاءات الفردية. المقترح الثاني، تأجيل التعديل على الإعفاءات الفردية لمدة خمس سنوات، مع تطبيق نظام الفوترة بحزم، وإجراء تسويات على متأخرات الضريبة السابقة، وعلى بعض القضايا الضريبية التي يعتبر العديد منها مبالغٌ فيه، وتقديري أنَّ دائرة الضريبة قادرة على تحديد مثل هذه الحالات.

والاجتهاد الثالث يكمن في إجراء التعديل على القانون بمفاصل محدَّدة تتعلق بإجراءات الفوترة، وضبط التهرُّب الضريبي، وتطبيق التصاعدية على ضرائب الدخل للأفراد والمؤسسات ضمن النسب المقترحة في مشروع القانون، مع الإبقاء على الإعفاءات الفردية على حالها عند 20 ألف دينار، دون إضافة الإعفاءات الإضافية البالغة 4000 دينار. وتبقى هناك أهمية كبرى لعملية دراسة العبء الضريبي، ضمن إطار ما تعهّدت به الحكومة من دراسة متكاملة للهيكل الضريبي، وعلى رأس ذلك ضريبة القيمة المضافة؛ أي ضريبة المبيعات، وبما يكفل تطبيق تصاعدي عادل لتلك الضريبة، وخاصة ما يتعلّق منها بما يستهلكه ذوو الدخول المتدنية والمتوسطة.

من الواضح أنَّ الحاجة إلى تعديل قانون ضريبة الدخل ليس من قبيل الترف الحكومي، ولا ترغب به الحكومة، فهو التزامٌ حتميٌّ، يحتاج من الجميع إلى المساهمة في إخراجه بما يحقّق المصلحة الكلية للبلاد.

التعليقات مغلقة.