صحيفة الكترونية اردنية شاملة

بناء الدولة – الأمة

تطرق الأستاذ عدنان أبو عودة، خلال حديثه مع صحيفة القدس العربي مؤخرا ، بأن النظام الرسمي العربي قد أخفق في بناء دولة الأمة، وأن الموجود هو عبارة عن هياكل دول، ولم يتطرق الى الأسباب الموضوعية التي حالت دون تحقيق ذلك ، وهي تتلخص بالأتي :

– غياب الوحدة العربية وتقسيم وتجزئة الوطن العربي الى دويلات من قبل الاستعمار الغربي (بريطانيا وفرنسا).

– إشكالية العلاقة بين الدولة والسلطة، فالسلطة الحاكمة وضعت نفسها فوق الدولة، وصادرت دورها، وأصبحت الدولة ملكاً خاصاً لمن يمارس السلطة، كما أن مرتكزات شرعية الأنظمة السياسية العربية تقوم على أسس تقليدية : شخصية القائد الكاريزمية، قبلية، دينية ،او عسكرية (شرعية إنقلابات عسكرية )، وليست شرعية قانونية دستورية .

– عدم إستيعاب مفاهيم الدولة الحديثة القائمة على المؤسسات ومفهوم المواطنة والتداول السلمي للسلطة .

– إشكالية الهوية والاندماج الوطني والاجتماعي داخل الدولة الواحدة، في ظل وجود هويات وولاءات فرعية ، دينية ، مذهبية، طائفية، عشائرية، عرقية، أو مناطقية.

– إشكالية الديمقراطية والتي تعني تجديد النخب الحاكمة، وتداول السلطة عن طريق الانتخابات والمشاركة السياسية، وهذه العملية لا تزال خارج الممارسة السياسية للدول العربية الحديثة، وإن وجدت بعض مظاهر الديمقراطية ، إلا أنها ما زالت ضعيفةً ومشوهة وعاجزةً في أساليبها، ومحكومةً بقيود السلطة وحدود المسموح به فقط، حيث أن القيادة السياسية العربية لا تزال شديدة التأثّر بالشخصية الاعتبارية للزعيم القائد الذي ينفرد بخصوصية تجعله يتسم بالبطولة والشجاعة والإنفراد بالسلطة .

– المعوقات الاقتصادية والاجتماعية، والهشاشة والتبعية التي تعانيها اقتصاديات معظم الدول العربية ،تآكل الطبقة الوسطى ، تهميش مؤسسات المجتمع المدني وإرتفاع معدّلات الفساد، والفقر، والأمية، والهجرة، والبطالة.

– التنافس والصراع بين الدول العربية (أنظمة تقليدية محافظة وأنظمة جمهورية ثورية ويسارية وقومية )، وإنقسام الأنظمة العربية خلال فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرق. 

– قيام الكيان الإسرائيلي،وإحتدام الصراع العربي- الإسرائيلي، وما شكّله من عائقٍ ذاتيٍّ وموضوعيٍّ أمام بناء الدول العربية خاصة الدول المجاورة لفلسطين.

وهناك اختلاف بين مفاهيم تكوين الدولة، وبناء الدولة، وبناء الأمة، وسيتم توضيح ذلك كما يلي: 

• تكوين الدولة: يعني إيجاد وإقامة مؤسسات الدولة خاصة الجيش والجهاز البيروقراطي، ونظام الحكم.

• بناء الدولة: قدرة الدولة على التغلغل في المجتمع، وقدرتها على فرض سلطتها على أراضيها، وحماية مواطنيها، وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتحقيق هوية وطنية جامعة.

• بناء الأمة: صهْر وتوحيد السكان ليصبحوا شعباً واحداً، والانخراط في مؤسسات الدولة، والشعور بالانتماء المشترك بدلاً من الهويات الفرعية.

وقد برز اختلاف بين الأوروبيين والأمريكيين حول مفهوم بناء الدولة وبناء الأمة، إذ يستخدم الأوروبيون مصطلح بناء الدولة (State Building)، حيث أسس الأوروبيون الدولة أولاً ثم حاولوا إيجاد أمة من الشعوب التي يحاولون حكمها، بينما استخدم الأمريكيون مفهوم (بناء الأمة) (Nation Building) انطلاقاً من التجربة القومية الأمريكية في حرب الاستقلال حين نشأ وعيٌ جمعيٌّ بين أولئك الذين شاركوا في تلك الحرب بضرورة إنشاء المؤسسات السياسية التي تنظم سير المجتمع الجديد.

ووفقاً للرؤية الأمريكية فإن عملية بناء الدولة- الأمة، هي عملية سياسية تقوم على أساس تأسيس نظام سياسي يقوم ببناء الدولة – الأمة بالاعتماد على سلطته وقوته، بينما الرؤية الأوروبية على أساس أن عملية بناء الدولة- الأمة عملية اجتماعية- سياسية تستغرق وقتاً طويلاً وتقتضي تماثلاً بين الدولة والمجتمع من أجل إنجاز الهوية الوطنية، واستيعاب أفراد المجتمع بمختلف انتماءاتهم الرئيسية والعرقية واللغوية في مؤسسات الدولة ضمن هوية وطنية جامعة، ومأسسة السلطة بكل أركانها وهيئاتها.

وعليه فإن عملية بناء الدولة- الأمة هي عملية تراكمية يتداخل فيها المادي والمعنوي والسياسي والقانوني والمحلي والدولي، ويتولى النظام السياسي مهمة إنجاز هذه العملية، ولكي يحقق النظام السياسي هذه المهمة يجب أن يحظى بالشرعية السياسية من المجتمع، من خلال مأسسة السلطة بكل تفرعاتها.

التعليقات مغلقة.