صحيفة الكترونية اردنية شاملة

استثمار الترفيه لتعزيز الثقة بلبنان

رنا نجار

يُعزز برنامج «كلنا للوطن» الذي عُر*ضت الحلقة الأولى منه ليلة أول من أمس على قناة «الجديد» اللبنانية، الشعور بالمواطنية والتفاؤل ببلد يرزح تحت قضايا الفساد والخلافات السياسية والانكماش الاقتصادي الذي يكاد يُنسي المُشاهد جمالية ما حوله من ثقافة وطبيعة وعادات وتقاليد. والأهم أن «كلنا للوطن» الذي يقدّمه الممثل والمغني كارلوس عازار، بخفة ذكية وحنكة تعتمد على شخصية كاريزمية، يقرّب وجهات النظر بين المناطق اللبنانية والسياسيين والإعلاميين، بطريقة بعيدة كلياً من الحوارات المملة والتقاتل الشفوي الذي يغزو الشاشات اللبنانية منذ سنوات. فهو يستثمر الترفيه مدعّماً إياه بتقينات عالية الجودة (التصوير الخارجي، الموسيقى، الإضاءة والديكور داخل الاستوديو) ليقدم رسالة جميلة عن لبنان ويكسر الحواجز بين المناطق، خصوصاً التي فرزتها الحرب طائفياً وأشعلت فيها نار الفتنة التي لم تنطفئ بعد. هذا النوع من البرامج الترفيهية يذكّرنا بمجد تلفزيون لبنان وبرامج رياض شرارة التي تسمّر أمامها اللبنانيون أيام الحرب الأهلية، لينسوا مشاهد الموت والدمار… وهذه نقطة تُحسب للمعدّين والمشرفين على البرنامج، وهما سناء قزي وكالين ناصيف، فقد وقع كثر من صنّاع التلفزيون في فخّ الترفيه الذي كان يأتي معلّباً ومبتذلاً ومملاً ومتشابهاً في كثير من البرامج اللبنانية. فالترفيه صناعة فنيّة قديمة وعريقة وتحتاج الى مهارات عالية وثقافة واسعة، وإذا أحسنا اسخدامها، كما فعل القيّمون مثلاً على الحملات الانتخابية للرئيس الأميركي باراك أوباما، يمكننا تذليل عقبات كثيرة يعاني منها المجتمع اللبناني، وأولها الطائفية والأحكام المسبقة عن الآخر واحترام حرية التعبير والاختلاف السياسي. فاللبناني معروف بحبّه للرقص والمغنى والسهر، أي الترفيه، من هنا يمكننا التقاط الخيط لنسحبه لمصلحة البلد وليس ضدّه. لكن للأسف، معظم العاملين في الحقل التلفزيوني مسيّسون، وتحزّبهم وميولهم السياسية المتعصبة تقيّد إبداعهم، وبالتالي تُفرّغ عملهم من أهداف وطنية ومن الإبداع. لا نقول إن التلفزيون يجب أن يكون هادفاً على طريقة الاتحاد السوفياتي، فهو وُجد للتسلية. لكن لما لا تكون هذه التسلية على قدر من الثقة والبحث والعمل المتقن، بدل أن تُصنّع باستخفاف بعقول المشاهدين وعدم التحضير لها في شكل جيّد؟

وأردنا الإضاءة على برنامج «كلنا للوطن» الذي يقدّم لبنان بأجمل حلله التاريخية والبيئية والتراثية والثقافية والسياسية، ليس بالمعنى الميليشياتي للكلمة. وذلك من خلال لعبة مسابقات بين فريقين من منطقتين لبنانيتين، ويرأس كل فريق سياسي أو فنان أو إعلامي لا يتوافق سياسياً مع المنافس الذي يواجهه، لكن لا خلاف بينهما. فهنا مهمة كل منهما اللعب والتنافس على ثقافة كل منهما. فالأسئلة تتمحور في برنامج «كلنا للوطن» على تاريخ لبنان السياسي ورجالاته وعمالقة فنانيه وثقافاته وعادات مناطقه وتقاليدها المرنة وليست تلك المتخلفة البالية. وأجمل فقرة في «كلنا للوطن» تلك التي يزور فيها كل فريق منطقة الفريق المنافس، ونتعرف معهم كمشاهدين الى مناطق نعتقد أننا نعرفها، لكننا نكتشفها في البرنامج من خلال عيون أهلها. ونرى تقارير مصوّرة في شكل متقن ومهنيّ مع خلفيات موسيقية بديلة ورصينة تغيب عادة من شاشات التلفزيون والإذاعات. نأمل بأن يحافظ البرنامج على هذه الروح التفاؤلية فيه، ولا يقع في الحلقات التالية في فخ الابتذال والتسرّع والإعداد الفارغ.الحياة

التعليقات مغلقة.