صحيفة الكترونية اردنية شاملة

زيت الزيتون والتكسي الذكي: أولوية المنافسة!

هنالك القليل من المبادئ والسياسات الاقتصادية تماثل من حيث الأهمية والعمومية والقطعية مبدأ تعزيز المنافسة الراسخ في علم الاقتصاد منذ تأسيسه. بل ان من مؤشرات قوة هذا المبدأ الاقتصادي (القائل بأولوية المنافسة) هي تطبيقه في مجالات غير اقتصادية، كالمنافسة في الميادين السياسية والاعلامية في علمي السياسة والاعلام وفي صنع السياسات العامة.

هذا التأكيد على سيادة المنافسة يمتد تاريخياً منذ سوق المدينة المنورة في عصر النبوة الى الاقتصادي آدم سميث حتى عصر الليبرالية الجديدة الحالي، ومن الغريب ان لا تعير برامج صندوق النقد والبنك الدوليين في العالم العربي اهتماماً مركزاً على سياسة وقانون المنافسة ضمن حزمة الاصلاح الاقتصادي.

فالمنافسة تحمي جمهور المستهلك غير المنظم من استغلال المنتجين المحتمل ومن الممارسات الاحتكارية كالمغالاة في الأسعار. والمنافسة تحمي أيضاً الاقتصاد من عدم الكفاءة وبالتالي تدعم الريادة في الأعمال وتحسن الابتكار والانتاجية والنمو. هذا التعميم لا يخلو من استثناءات تؤكد القاعدة لكنها بالتأكيد لا تلغيها.

هذا المقال هو تطبيق لمبدأ المنافسة على حالتين “ساخنتين” في اقتصادنا الوطني هما: زيت الزيتون الذي تمنع الانظمة الراهنة استيراده من الخارج، و”التكسي الديجيتال” الذي يدعم المنافسة في سوق النقل العام البري بين التكسي العمومي والتكسي الذكي.

زيت الزيتون النقي هو سلعة جديرة بالاهتمام الرسمي من منظور الصحة العامة والسياسة الصحية الوقائية نظراً لدورها الفعال في الوقاية من العديد من الأمراض المزمنة المرتبطة بصحة القلب والجهاز الدموي.

في الوقت الراهن يعاني سوق زيت الزيتون من حالة من غياب المنافسة الفعالة وسيادة عدم التأكد بخصوص الجودة وضعف التنظيم الحكومي الايجابي. فعلى مستوى الأسعار، هنالك زيادات سنوية متتابعة، وسعر التنكة لامست100  دينار في المتوسط في الموسم الحالي. وعلى مستوى الجودة وطرق ضمانها وتوكيدها، هنالك غياب للمبادرات المركزية، وحال المستهلك المسكين هنا: “يا تصيب يا تخيب” أو عمل فحص فردي للجودة يستهلك المال والوقت ربما بلا طائل!.

من الواضح ان الجوانب المتعددة في اخفاق سوق زيت الزيتون يتطلب تدخلاً حكومياً لصالح المستهلكين (الذي تتجاوز اعدادهم الملايين) دون الاضرار بالمزارعين والمعاصر وبقية حلقات السوق (الذي لا تتجاوز اعدادهم الآلاف).  ويقترح في هذا المجال فتح باب الاستيراد لفترة معينة (للمؤسسات الاستهلاكية الحكومية ولتجار الجملة) وتوفير خدمة “توكيد الجودة” لنوعية الزيت بالتعاون مع المنظمات المعنية في القطاع الخاص. هذا سيحد من الغش ومن السوق غير الرسمي في سلعة هامة لجمهور الاردنيين.

الحالة التطبيقية الثانية لمبدأ المنافسة هي تنظيم العلاقة بين التكسي العمومي (الأصفر) وبين تاكسي الديجيتال (تكسي التطبيقات الذكية). وكما هو الحال مع سلعة زيت الزيتون، لابد من اعطاء المنافسة هنا أولوية في توفير خدمة النقل العام، لمنع تحكم البعض في توفير الخدمة وفي جودتها وأحياناً سعرها. المطلوب هنا هو ان تكون ساحة المنافسة على مستوى متكافئ وعادل، وهذا سيخفف أيضاً من السوق غير الرسمي ويقلل التهرب الضريبي.

المنافسة الفعالة والشريفة هي سنة كونية في “علم القرآن التنموي”، وهي مبدأ راسخ في علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي الحر. ولابد من ايلاء هذا المبدأ الاهتمام الكافي والمبادر من قبل مديرية المنافسة في وزارة الصناعة والتجارة والتموين (التي تنوب عن المستهلك غير المنظم)، ومن قبل وزارة الزراعة والهيئات الرقابية المنظمة لقطاعات خدمية متنوعة، بما يصون حقوق ملايين المستهلكين ويعزز كفاءة الاقتصاد الوطني.

التعليقات مغلقة.