صحيفة الكترونية اردنية شاملة

حالة البلاد أم حالة الاقتصاد؟

التقرير لم يحلل حالة المجتمع الاردني بقدر تركيزه على أوضاع الاقتصاد الوطني. ويمكن للبعض ان يجادل بأن التقرير كان لحالة الاقتصاد أكثر منه لحالة البلاد

لا أبالغ بالقول ان تقرير “حالة البلاد 2018” (نحو 1600 صفحة) الصادر مطلع هذا الاسبوع عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي الاردني هو بلا نزاع أكثر التقارير المحلية والرسمية شمولية، بتغطيته (36) قطاعاً وملفاً وطنياً، ومراجعته ل(128) استراتيجية قطاعية (مثال: السياسة الصناعية) ومتعددة القطاعات (مثال: خطة تحفيز النمو الاقتصادي) في بلدنا الاردن. بل هو يقارب من حيث الحجم ثلاثة أضعاف تقرير ديوان المحاسبة 2017.
ولاشك أيضاً بأن التقرير مفعم بالحركية في العديد من طروحاته بعكس معظم التقارير الرسمية السنوية التقليدية، مثل اشارته الهامة بأن: “هناك إستراتيجيات لم تنفَّذ على أرض الواقع كالاستراتيجية الوطنية للتصدير، بينما يتم إعداد إستراتيجيات جديدة دون متابعة وتنفيذ فعلي وحقيقي للإستراتيجيات القديمة وتقييم مستمر لأدائها، فضلاً عن تداخل العديد من الخطط والإستراتيجيات” انتهى الاقتباس (ص22).
لكن التقرير لم يحلل بعمق الاسباب الجذرية الكامنة من وراء هذا الضعف في مجال تنفيذ الاستراتيجيات وتنسيقها ومساءلتها، ولم اجد تحديداً تحليلاً معمقاً لدور ضعف الاطار المؤسسي الفعال للملف الاقتصادي ككل، وغياب التطبيق الحازم لل”الموازنة الموجهة بالنتائج” في ادارة المالية العامة في هذا الضعف الأساسي.
وكأي عمل تحليلي متعدد الأبعاد، فاني أعتقد ان التقرير لم يكن شاملاً كفاية!. فرغم ان القضايا غير الاقتصادية (مثل حقوق الانسان والتنمية السياسية والمجتمع المدني) قد نالت نحو عشرة فصول من أصل 36 فصلاً غطاها التقرير، لكن التقرير لم يحلل حالة المجتمع الاردني بقدر تركيزه على أوضاع الاقتصاد الوطني. ويمكن للبعض ان يجادل بأن التقرير كان لحالة الاقتصاد أكثر منه لحالة البلاد.
وبصورة أوضح، كنت أفضل بالتأكيد ان يشارك خبراء في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي في تحليلاتهم المعمقة لقضايا اجتماعية أساسية، سواء من حيث تحديد المفهوم ومنهجيات القياس والاحصاءات، أو فرضيات التفسير والأدلة التجريبية المتاحة، أو من حيث أبرز التحديات والتوصيات العملية.
فعلى سبيل المثال، اقتصر استعراض التقرير لاحصاءات الطلاق على سطر واحد (ص 1350) رغم ان ارقام الطلاق التفصيلية متوفرة لدى دائرة قاضي القضاة ودائرة الاحصاءات العامة، كما غاب التفسير المنهجي لارتفاع معدلات الطلاق (بالمقارنة مع سنة أساس طبيعية) المترافق مع انخفاض معدلات الزواج وتشكيل أسر جديدة. والحال ينطبق على مشكلات اجتماعية أخرى هامة، كالفقر والادمان (على المخدرات والكحول) والجريمة، وحوادث السير، وانحراف الأحداث، والعنف والوهن الاسري، والاغتراب والانتحار، وأخيراً الثقة ورأس المال الاجتماعي. أقول هذا مع اعترافي بتغطية التقرير لبعض القضايا الاجتماعية، كالعنف المجتمعي والمرأة والطفولة. لكن المطلوب ادماج “التحليل السوسيولوجي” بعمق وشمول أكبر في الاصدرات السنوية القادمة وضمن اطار مدخل متعدد ومتداخل التخصصات العلمية، بدلاً من التركيز على الملفات الاقتصادية بصورة قطاعية.
وقد يقول قائل: وهل تريد أن يفوق حجم الكتاب 2000 صفحة؟ الاجابة ان تركيز التقرير يجب ان ينصب من حيث المبدأ على أبرز التحديات الملحة والأولويات الوطنية في المرحلة الراهنة، حسب تعريف محدد وموضوعي لها، وليس شرطاً ان يغطي التقرير كافة القطاعات والاستراتيجيات بنفس الدرجة من التفصيل الزائد (نحو 40 صفحة في المتوسط لكل فصل). كما ان وجود عناقيد للقطاعات وخلاصة تنفيذية يساعد في ترشيد عدد صفحات وأيضا ًقراءة تقرير ضخم كهذا.
وبما ان الفقر والبطالة وضعف النمو التشاركي والمستدام هي، باعتقادي، ابرز التحديات والأولويات الوطنية التي تواجه البلاد (على الصعيد الاقتصادي وليس الاجتماعي)، يفترض اذن ان يخصص لها فصول مستقلة ضمن ال 36 فصلاً غطت مختلف قطاعات وقضايا الاقتصاد الاردني.
لكن معضلة الفقر لم يخصص لها اي فصل مستقل، وتحدي البطالة عولج جزئياً من خلال فصل سوق العمل. وأقول عولج جزئياً لان للعديد من فصول التقرير، مثل فصل المشاريع الناشئة والصغيرة والمتوسطة، مساهمة في العلاج. مما يبرز أهمية تعزيز الربط والتشبيك بين فصول الكتاب ودمج معطياتها في الملفات ذات الأولوية Thematic Approach.
أما تحدي النمو التشاركي والمستدام فجاء مبعثراً أيضاً ويلزمه تلخيص وتجميع ذكي في فصل مستقل ومعمق، واجابة للتساؤل المركزي حول الأهمية النسبية لثلاثة عوامل: الصدمات الخارجية، ومواقف السياسة الاقتصادية (الليبرالية الجديدة والنزعة التقشفية)، والضعف المؤسسي، في تفسير الأداء المتثاقل للنمو الحقيقي خلال السنوات الثمانية الماضية. مع تقديري للجهد المبذول في هذا التقرير الريادي غير التقليدي، وربما يكون للحديث بقية في بعض فصوله.

التعليقات مغلقة.