صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مرصد الاقتصاد في حالة البلاد

التقرير في صورته الضخمة يمكن أن يُسمّى النسخة الأولى لمرصد حالة البلاد، ذلك أنَّ النسخة القادمة عن العام 2018، لن تكون بالحجم الكبير؛ لأن ما تمَّ رصده في التقرير الحالي هو بمثابة فرشة كاملة لكافة القطاعات

بعد نحو 24 عاماً من الحلم والإصرار، صدر تقرير يرصد للبلاد حالتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. نعم، لعلني أذيع سراً، حينما أقول إنَّ أوَّل عهدي في العمل في الأردن كان بمعية الدكتور مصطفى الحمارنة، بعد عودتي من دراسة الدكتوراة، حين كلفني في نهاية العام 1994 بالمساعدة على إطلاق وحدة الاقتصاد في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية.

وحينها كنت قد بدأت بالعمل معه بشكل كامل لفترة وجيزة، ثمَّ انتقلت إلى العمل في مجال التدريس في الجامعات، وبقيت أعمل معه بشكل جزئي، وفي أول لقاء لغايات إطلاق تلك الوحدة، أخبرني الدكتور الحمارنة أنه يحلم بإطلاق تقرير على غرار تقرير “حالة الاتحاد” The State of the Union Report الذي يطلقه بشكل سنوي الرئيس الأمريكي، على أن يكون اسم التقرير “حالة البلاد” أو “حالة الاقتصاد”، وأن يكون شاملاً، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. ويبدو أنَّ الحلم لم يغادر فكر الدكتور مصطفى ليعمل على تحقيقه بإطلاق تقرير “حالة البلاد” من منصة المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد كلِّ هذه الأعوام، وليغطي شتى محاور الحياة والحالة الأردنية بشكل مميز من حيث المحتوى، والمشاركة، والطرح والآلية.

ولعلَّ التميُّز الأكبر تجسّد في الإصرار على إشراك أكبر عدد ممكن من الباحثين، والسياسيين، وصنّاع القرار، ومؤسَّسات المجتمع المدني، والخبراء، والمتخصصين في إصدار التقرير وبشكل متفاوت بين المشاركة في الإعداد، والمشاركة عبر الندوات وورشات العمل، والمشاركة بالنقاش، والمشاركة بالمراجعة والتدقيق، والتغذية الراجعة.

التقرير في صورته الضخمة يمكن أن يُسمّى النسخة الأولى لمرصد حالة البلاد، ذلك أنَّ النسخة القادمة عن العام 2018، لن تكون بالحجم الكبير؛ لأن ما تمَّ رصده في التقرير الحالي هو بمثابة فرشة كاملة لكافة القطاعات، أخذت على عاتقها مراجعة المراحل المختلفة لحالة البلاد على مدى السنوات الماضية، واستندت إلى ذلك في بناء وتحليل الوضع القائم، وحاولت من بعد ذلك الركون إلى مجموعة من التوصيات والاستراتيجيات القائمة أو المقترحة، بهدف وضع دليل عمل أمام صانع القرار، والمُشَرِّع، والباحث، والمهتم.

أمّا التقرير القادم، ففي تقديري أنه سيكون رشيقاً، محدداً، يسعى إلى مراجعة ما تمَّ الأخذ به من توصيات أو استراتيجيات عمل، وينظر إلى التوجُّهات المستقبلية المطلوبة. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإنني أجد أنَّ التقرير وصف، ورصد، وحلل، كافة أوجه السياسة الاقتصادية، والوضع الاقتصادي الكلي، ولجأ إلى قراءة واقع الحال رقماً وتحليلاً، كما أنه راجع السياسات المختلفة، والأوضاع التي واجهت الاقتصاد الوطني من الجوار ومن الداخل، كما أنَّ التقرير أقر ،بعدالة، بمطبات السياسة الاقتصادية التي ركنت إلى الانكماش، وإلى ضبط الايقاع أكثر من اهتمامها بالتنمية الكلية وبتحقيق معدلات النمو المطلوبة. وإن كنت لا أتفق شخصياً مع تقسيم المراحل التي مرَّ بها الاقتصاد الأردني إلى أربع، عبر حصر السنوات السابقة للعام 1989 جميعها في مرحلة واحدة،  إلا أنَّ التحليل الخاص بالفترات التالية للعام 1989 لم يجانب الصواب.

ومن ناحية أخرى فإنه بالرغم من أنَّ بعضاً من التوصيات المشار إليها في الفصل الموسوم “امتداد الآثار الاقتصادية العالمية والإقليمية إلى الأردن” تعتبر توصيات عامة، بيد أنه لا مفرَّ من ذكر تلك التوصيات بعموميتها، آخذاً في الاعتبار أنَّ صانع القرار والمهتم عليه أن يلجأ إلى إيجاد آليات مناسبة لتطبيقها، وهي أمور تخرج عن دور التقرير الراصد للوضع الآني. بقي القول إنَّ العدالة تحتّم الإشارة إلى الجهد النوعي الكبير في إخراج هذا المرصد الوطني المتكامل لحالة البلاد، وإنَّ على صانع القرار، وعلى مجلس الأمة، أن يستندا إلى هذا التقرير في أي خطوات قادمة تتعلّق بأيٍّ من القطاعات التي غطاها، وهي كافة قطاعات الدولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وإن كان لي أن أنصح، فإنني أنصح رئيس الحكومة، بأن يقوم بتعميم كلِّ جزءٍ من أجزاء التقرير على الجهات المختصة، لتحليله والاستناد إليه في أي قرارات أو استراتيجيات قادمة، بل والعمل على إيجاد طريقة لتحقيق العديد من التوصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جاء بها التقرير. تقرير حالة البلاد، يرسمُ للنهج الجديد الذي نرنو إليه، ويمثّل حالة جديدة يجب الحرص على استدامتها واستمرارها، بوجود رئيس المجلس، أو بعد مغادرته، فاستدامة التقرير مصلحة عامة. أمّا بالنسبة إلى مجلس الأمة، وخاصة مجلس النواب، فإنَّ المجلس الاقتصادي والاجتماعي، هو بمثابة دار خبرةٍ، وخزان أفكارٍ مجاني، وبهذا التقرير، فإنه يكون قد قدّم للمُشَرِّع رصداً متكاملاً حول حالة الاقتصاد والدولة، ولو كنت مكان اللجان المختصة في مجلس النواب، لما ناقشت أيَّ قانون أو تشريع دون أن أرسله إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي ليقوم بدوره بالنظر والتحليل ومقاربته مع حالة البلاد، ومن ثمَّ للقيام بعقد جلسات خاصة به، وإرسال تقرير متكامل، ما سيساعد بالتأكيد على تطوير وتجويد التشريعات الصادرة عن المجلس.

تقرير “حالة البلاد” هو حقيقة مرصد جديد للاقتصاد واستدامته مسؤولية كليةٌ جماعية، تُهم القطاع الخاص، كما تُهم الحكومة، ومؤسَّسات المجتمع المدني، واستمرار صدوره سيؤدي إلى تجويدٍ مستمرٍّ في مخرجاته، عاماً بعد عام، خاصة أنه بدأ بمستوى متميز من المنطقية، والتشاركية، وجودة التحليل، ورصانة العرض وشمول التغطية. ولعله في المستقبل يتحوّل أيضاً نحو استشراف المستقبل لكافة القضايا التي يُغطيها. فالرصد والتحليل وحده جيّد، ولكن بناء سيناريوهات مستقبلية سيضيف بعداً استشرافياً مميزاً للتقرير،،

 

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.