صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هل يستفيد “إخوان الأردن” من تجارب مصر  و24 آذار وهبة تشرين؟ بقلم:جمال جيت 

عندما نجحت الثورة المصرية في اسقاط نظام حسني مبارك في ثورة يناير ٢٠١١ و بعد أن تدخل الجيش المصري تحت عنوان حماية الثورة والانتصار للثوار واستلم المجلس العسكري قيادة المرحلة الانتقالية، وجد الثوار انفسهم امام استحقاق مفصلي وجذري ويحدد مستقبل الثورة وهل هي تسير بـ إلاتجاه الصحيح نحو تحقيق أهدافها؟ ام هي مدخل للانقلاب على الثورة ولمنع دورة “ثورة الشعب” من الاستمرار؛ فبعد سقوط اي نظام بثورة شعبية تسقط كل أدواته وأولها الدستور الذي كان يحكم به، وان تحكم المرحلة الانتقالية الشرعية الثورية من خلال تشكيل لجنة دستورية من خبراء “دستوريين وسياسيين” لصياغة دستور من صلب المطالب الثورية ويحدد مراحل التحول الديموقراطي.

المجلس العسكري كان له توجه آخر وذلك من خلال الإعلان الدستوري الاول ١٣ فبراير ٢٠١١ ونص على تعطيل العمل بأحكام الدستور ١٩٧١ وتشكيل لجنة لتعديل بعض مواد الدستور وتحديد قواعد الاستفتاء عليه من الشعب ويطرح على شكل “اعلان دستوري” ويحدد خارطة الطريق لنقل السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة من خلال مرحلة انتقالية بعد ٦ اشهر يتم فيها : – انتخاب مجلس شعب – انتخاب رئيس دولة – يشكل البرلمان المنتخب لجنة تأسيسية لكتابة الدستور الجديد، واعلن المجلس العسكري عن أول استفتاء شعبي على الإعلان الدستوري الاول بعد الثورة “نعم” للاعلان ام “لا”، وتم الاستفتاء بتاريخ ١٩ مارس ٢٠١١. 

ثوار “يناير” والقوى السياسية انقسموا بين خيار “لا” للاعلان الدستوري وبين المقاطعة بينما الاخوان المسلمين تركوا الثوار وتحالفوا مع المجلس العسكري وقالوا “نعم” للاعلان الدستوري ومعهم فلول النظام السابق و الحزب الوطني فنجح تحالف الاخوان والعسكر والفلول و قالوا “نعم” للشرعية الدستورية؛ انتخاب مجلس شعب بعد ٦ أشهر يعني أن يستفيد منه الأحزاب المنظمة مثل الاخوان والفلول في الحزب الوطني وانتخاب رئيس قبل الدستور وهنا نكون اما رئيس ومجلس شعب منتخبين قبل معرفة صلاحياتهم وبعده يختار مجلس الشعب المنتخب لجنة تأسيسية لكتابة دستور جديد وهنا سيتم تفصيل دستور يخدم الاغلبية!!!

وهذا ما كان، ومن هنا كانت بداية الانقلاب على الثورة، ومن هنا حفر الاخوان لأنفسهم الحفرة التي دفنهم بها العسكر، وهذا ما حذرت منه القوى الثورية فـ “العالم” لن يسمح للثورة في مصر ان تستمر لأن مصالحها الاستراتيجية هي الأولوية ولن تخاطر بمصالحها!!! لا الديمقراطية ولا حرية الشعوب ولا التخلص من الدكتتوريات في حساباتها، لهذا، كيف يمكن أن تتكيف القوى العالمية مع اللحظة الثورية وتلتف على الثورة وتحمي مصالحها؟ لا يوجد الا العسكر!!! لكن، كيف سيتمكن العسكر من ذلك؟ فهم يحتاجوا لحليف استراتيجي مدني ومنظم ولديه مظلومية ومحسوب على المعارضة، وهذه كلها متوفرة بـ الإخوان المسلمين بالإضافة إلى الحلم التاريخي عند الاخوان في الوصول الى السلطة وطبعا الظرف الاقليمي كان ملائم أيضا للإخوان فالدعم التركي والقطري فتح شهية الاخوان نحو السلطة وانقلبوا على كل وعودهم للقوى الثورية، “لن نترشح للرئاسة”، “لن نسعى الى أغلبية في مجلس الشعب”، “لن نقصي احد وسنضع دستور توافقي” !!! عمتهم الانتهازية السياسية وكانت سياسة الاقصاء هي الفاعلة، فظنوا انهم يستطيعوا ان يحكموا مصر وحدهم!!! والنهاية نعيشها الان مصر رجعت إلى ما قبل الثورة واستعادة الدولة العميقة سيطرتها وعطلت دورة الثورة وللاسف كان ذلك من خلال قوى ايضا محسوبة على ثورة يناير اتفقوا مع العسكر ضد الاخوان وعطلوا شرعية الدستور وما افرز من رئيس منتخب وانقلبوا عليه، وأما الاخوان فنهايتهم شاهدة أمامنا بوضوح يرزحوا بالمعتقلات للاسف.

هل يستفيد إخوان الاردن من درس إخوان مصر؟

الاخوان المسلمين في الاردن وبعد الربيع العربي وتحديدا بعد ٢٤/اذار ٢٠١١ حيث بدأ يتشكل ظرفا اقليمي يصب في مصلحتهم؛ وصل الاخوان في مصر للسلطة، حزب النهضة في تونس بالإضافة طبعا لتركيا وقطر، اخوان الاردن حاولوا توظيف الظرف الاقليمي واستغلال حالة الضعف التي ظهر عليه النظام في تلك الفترة واخذوا بالاستقواء عليه ودخلوا في صدام مع النظام غير مسبوق استنادا للواقع الجديد الذي تشكل.

النظام الاردني حاول التكيف مع الظروف الداخلية ومع التحولات الخارجية، فكان اختيار عون الخصاونة القاضي الدولي والمعروف بنزاهته رئيسا للوزراء مدخلا لتكيف مرحلي مع حراك الداخل ومحاولة للانحناء أمام عاصفة الربيع العربي ولإستقطاب الاخوان الذي بدأ يفرض نفسه كلاعب إقليمي وضامن داخلي، فكانت أولوية الحكومة المكلفة “حسب كتاب التكليف السامي وكتاب الرد” انجاز التشريعات الخاصة بـ قانون الانتخاب وقانون الاحزاب وقانون الهيئة المستقلة للانتخاب وكان هذا الفخ الذي رسم للاخوان للاستفراد بهم بعيدا عن الحراكات وباقي القوى السياسية.!!!

وبالفعل قام الرئيس المكلف بدعوة الاخوان للانضمام لحكومته محاولا امتصاص الازمة ولكنهم رفضوا ذلك، فأقام اتصالات قوية مع الاسلاميين لإظهار حسن النوايا والتعاطي معهم كشريك للمرحلة الانتقالية وسجل على حكومة عون الخصاونة ان هذا كان على حساب القوى السياسية الأخرى. الاخوان ايضا تعاطوا مع حكومة عون الخصاونة بإيجابية وحميمية واضحة فأخذتهم العزة بالاثم فتخلوا عن مطالب الحراك ودخلوا في تفاهم أولي مع حكومة الخصاونة تحت طائلة التلويح بعدم المشاركة في الانتخابات فكانت اولويتهم تعديل قانون الانتخاب والاحزاب اولا، وان تجري انتخابات نزيه وحرة ثانيا، وهذا يضمن لهم الاغلبية وبعدها يدخلوا في إصلاحات على مقاسهم وتضمن بقائهم بالسلطة والاستئثار بها، بينما كانت مطالب الحراك والقوى السياسية والحزبية الأخرى هي الإصلاحات الدستورية التي تعيد سلطة الشعب وتؤسس لدولة القانون والمؤسسات وقانون الانتخاب جزء منها ومكافحة الفساد واستعادة مقدرات الدولة هي الأولوية.

وبالفعل شرعت الحكومة في وضع مشروع قانون انتخاب وصل الخلاف حوله إلى حد الانقسام داخل حكومة الخصاونة والذي اتهم فيه انه فصل القانون على مقاس الاخوان؛ فقدم وزير العدل سليم الزعبي الذي عرف أيضا بنزاهته ووطنيته استقالته المفاجئة مسببا ذلك بالتنسيق عالي المستوى مع الاخوان والاختلاف على النظام الانتخابي وتجاوب الخصاونة مع متطالبات حزب جبهة العمل الاسلامي.

النظام يبدو أنه كان يرتب أوراقه وادواته ويحاول استعادة ذاته بعد أن تعطل قطار الربيع العربي في محطة سوريا وارتفعت فاتورة دم الشعب السوري وانقسمت القوى السياسية في الاردن حول الثورة السورية وكان عون الخصاونة يقدم استقالته من تركيا بسبب صراعه مع النظام على معركة الولاية العامة، فكان ربيع ٢٠١٢ يعلن عودة البيروقراط في حكومة مدعومة من القصر والمخابرات برئاسة فايز الطراونة وكانت مرحلة للنظام لإعادة تموضعه بالداخل بعد الصورة التي ظهر عليها خلال الربيع العربي فقاد النظام هجمة مرتدة على الإخوان خاصة بعد الموجة الثانية من الربيع العربي في الاردن وتحديدا بعد هبة تشرين ٢٠١٣ حيث وصف الملك الجماعة بـ “الماسونية” وتم سحب الغطاء القانوني عن الجماعة وإغلاق المقرات ومنعها من إجراء انتخابات داخلية واعتقال نائب المراقب العام زكي بني ارشيد وعدد من القيادات وتغذية الخلافات داخل الجماعة وادى كل هذا إلى تفكيك الجماعة؛ دعم جمعية جماعة الإخوان المسلمين المرخصة قانونا ورفع الغطاء القانوني عن الجماعة، واسس مجموعة من القيادات من رحم الجماعة مبادرة “زمزم” التي تحولت لحزب سياسي أيضا ودخل المراقب العام السابق سالم الفلاحات في تأسيس حزب الشراكة والإنقاذ، كل هذا سبقه طبعا احالة ملف قضية المركز الإسلامي للقضاء عصب الجماعة و ذراعها المالي. 

هل تستفيد الجماعة من هذا الدرس الان؟

اليوم خرجت الجماعة بمسيرة شعبية خلف “لاءات” الملك عبدالله الثاني الثلاث ورفضا لصفقة القرن وبعثت رسالة للملك عبرت فيها عن تأييدها ودعمها الكامل لمواقفه في الدفاع عن القدس، وطرحت مبادرة سياسية للإصلاح، وبذات الوقت اعلنت بشكل “غير رسمي” (انهاء القطيعة المستمرة منذ سنوات مع التيارات القومية واليسارية، لتسخير كل الجهود في مواجهة صفقة القرن) وكتلة الإصلاح النيابية تلتقي مع الملك وتطرح مبادرتها ويقول رئيسها العكايلة على قناة المملكة “أخبرنا الملك، أن الحركة الإسلامية طالت عملية محاصرتها، وهي التي وقفت تاريخيا مع النظام، في منعطفات خطيرة”.

للأسف فإن الجماعة ووفق لعدة مؤشرات نستخلصها مما تقوم به انها مازالت ترواح وفق نفس منهج التفكير، فهي عادت لتعرض نفسها شريكا للنظام لتخرجه من ازمته في الداخل والخارج بعد تداعيات صفقة القرن ولكي تخرج نفسها من سلسلة الخسارات الاقليمية والداخلية أيضا.

فهي تطرح نفسها كقوة قادرة على التحرك وحدها بعيدا عن باقي القوى والحراكات وتسوق نفسها أنها الوحيدة القادرة على إخراج النظام من عنق الزجاجة وتعيد استحضار التاريخ مع النظام عندما كانت الملاذ الوحيد له بمواجهة الحكومة النيابية الوحيدة بتاريخ الاردن حكومة النابلسي ١٩٥٧ ودخولها بحكومة مضر بدران بعد ١٩٨٩، وهي تستند بذلك إلى نفس الأدوات القديمة؛ داخليا “قدرة على تحريك الشارع، كتلة نيابية تطرحها بإطار وطني ليست اخوانية فقط، وهي تطمئن النظام بأنها لا تربط دعم النظام “في ازمته” بقضية الإصلاح، كما ان المبادرة التي تطرحها تحمل عناوين اصلاحية عامة ولا تعطي الأولوية للإصلاح الجذري في النظام والذي يؤسس لقيام دولة القانون والمؤسسات، ومازالت تقف على الحياد من حراك الرابع بعد ٢١ اسبوع من خروجه للشارع،”. خارجيا “العلاقة مع حماس، قطر، تركيا” وهو المحور الذي يناور عليه النظام في خلق خيارات جديدة تدعمه في رفض صفقة القرن.

على الحركة الاسلامية ان تعي أن جميع القوى السياسية ترفض صفقة القرن وان موقفها من وادي عربة ثابت وان الامر غير مرتبط عند الناس بتغير تحالفات النظام والتغيرات التي طرأت على موقفه لكن مجابهة هذه الصفقة والمشاريع الصهيونية تحتاج لتمتين الجبهة الداخلية وتقويتها وهذا يحتاج من النظام اولا الدخول بإصلاحات دستورية جذرية من خلال حكومة وطنية تعيد السلطة للشعب وتحاكم الفاسدين وتستعيد مقدرات الوطن وتنهي نهج التبعية السياسية والاقتصادية. وعلى الجماعة ان تعي ان تقديم مصلحة الوطن في هذا الظرف التاريخي هو الاولى من السعي بظهور بصورة المخلص من الازمة التي تهدد وجود الاردن وفلسطين معا، وان عليها ان تتعلم من درس مصر ومن درس الاردن وكيف استفرد النظام بها ودخل في تفكيكها؟ وان كل هذا يتطلب من الجماعة تتحمل مسؤولياتها اتجاه القوى السياسية واتجاه الشعب لهذ كان الاولى ان يكون قرار إنهاء القطيعة مع القوى السياسية صادر من المكتب التنفيذي للجماعة وليس تصريح اعلامي من الامين العام على هامش ملتقى وطني لمقاومة التطبيع، وان تدعو الجماعة القوى الوطنية لطاولة حوار مستديرة وتتشارك معا في طرح مبادرة اصلاحية جامعة وتؤسس لدولة القانون والمؤسسات لا ان تطرح المبادرة لوحدها وتطلب من الجميع ان يتوافق عليها. كما ان الخطاب الذي حمل المبادرة في المؤتمر الصحفي لإطلاقها كان يحمل رسائل متناقضة فـ

الدكتور عبدالله العكايلة رئيس كتلة الإصلاح النيابة وخلال إطلاق المؤتمر الصحفي للمبادرة السياسية للحركة الاسلامية في الاردن، يفتتح كلمته تعليقا على خسارة حزب العدالة انتخابات البلدية في تركيا بالآية القرآنية “الم (.) غُلِبَتِ الرُّومُ (.) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (.)” صدق الله العظيم

ويضيف “ساءنا في هذه الصباح انكسار راية تحمل الإسلام بصورة او بأخرى خسارة اخواننا في اسطنبول، وانقرة وبعض البلديات الكبرى بعد تحالف أحزاب المعارضة كلها مع حزب الشعب، حتى تنكسر الراية وتنهض راية اليسار من جديد، نسأل الله ان من بعد غلبهم سيغلبون، وسيعودون ونرجوا لهم توحد الصف وعدم تحقق البوادر الأولية للانقسام”….. انتهى الاقتباس.

هل هذا يقال في مقدمة لطرح مبادرة اصلاحية؟؟ !!! ماذا يمكن أن يفهم شاب قومي أو يساري عندما يسمع هذا الكلام؟ هل يمكن أن يؤسس هذا الخطاب لمصالحة و إنهاء قطيعة؟ على الجماعة ان تعيد حساباتها وتحدد أولوياته وان تقدم للناس خطابا مطمئنا يؤكد ان الأولوية هي إنقاذ الوطن ومجابهة الأزمة التي يواجهه الوطن من صفقة القرن، وان تعلن عن مصالحة وطنية تطمئن فيها القوى السياسية وتؤكد ان قيام دولة القانون والمؤسسات هي الأولوية وان التعددية وتداول السلطة هي محددات استعادة سلطة الشعب وان الاستئثار بالسلطة ليس خيارا للجماعة وبذات الوقت على القوى السياسية والوطنية المختلفة ان تتحمل مسؤولياتها وتدخل في مصالحة بينها على ارضية ثابتة وتشاركية للخروج بمشروع وطني جامع ينقذ الوطن ويخرجه من الازمة.

فهل يستفيد الإخوان من تجربتهم بعد ٢٤ اذار وهبة تشرين الاردن؟ ام يلدغوا من الجحر مرة أخرى ؟!

التعليقات مغلقة.