صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الرقمنة والحكم المحلي وتنمية الموارد البشرية

ونأمل أن نخرج من السجال القائم على التعديل إلى النظرة الإيجابية التي تساعد على تحقيق الأفضل لاقتصادنا ومتطلباته. والزمن سيظهر نجاعة ما تمَّ استحداثه من مسميات، وما إذا كانت ظاهرة شكلية أم تحولاً منهجياً مفيداً وإيجابياً للاقتصاد

بالرغم من السجال الكبير حول التعديل الحكومي الأخير على حكومة الدكتور عمر الرزاز، وبعيداً عن الجدل السائر حول دستورية تغيير أسماء بعض الوزارات، والذي يجب تداركه، إن صحَّ، عبر تصويب الخلل القانوني والدستوري إن وجد. فإنني بعيداً عن ذلك كله أسوق ملاحظات ثلاث، بأمل أن لا يقتصر الأمر على تعديل المسمّى بل يتعداه إلى الوظائف التي ستناط بالمسمّيات الجديدة.

الملاحظة الأولى هي أنَّ هناك حاجة حقيقية إلى الاهتمام بالاقتصاد الرقمي والمشاريع الريادية التي يقوم عليها، ذلك أنَّ المخرج الأساس لتطوير الاقتصاد الوطني، ولخلق وظائف تتناسب ومتطلبات العصر الحالي والقادم هو في الرقمنة المعرفية لكافة عمليات وقطاعات الاقتصاد. وقد أشار مقال صدر حديثاً حول الرقمنة في 17 دولة أنَّ العديد من دول العالم تعمل بجدية كبيرة على ربط كافة قطاعات الاقتصاد بالفضاء الرقمي، وهو فضاء متكامل سيؤدي إلىتوفير ما يزيد على نصف تريليون دولار من القيمة المضافة في بعض الاقتصادات. حيث تشير الدراسات إلى أنَّ تلك الرقمنة تمَّ ربطها بقطاعات الاقتصاد المختلفة فأدت إلىتحسين الإنتاجية، وخاصة في القطاع المالي، والزراعي، والصحي، والتعليم، والطاقة، والخدمات اللوجستية.

ففي البعد الزراعي مثلاً أدى فضاء الرقمنة الاقتصادية إلىالوصول إلى أفضل مدخلات الأسمدة والمبيدات، ما حسَّن من الإنتاج الزراعي، ناهيك عن أفضل سبل تسويق وتصريف المنتجات الزراعية، وفي المجال الصحي، تمَّاستخدام وسائل التطبيب عن بعد، ما حسَّن مستوى الوصول إلى المناطق البعيدة، وفي المجال اللوجستي، تُوَفِّر المنصات الرقمية خدمات غير منتهية وزهيدة التكاليف في مجال خيارات الشحن، والتوثيق، والحجز، والتوصيل، وغيرها. وفي المجال المالي أدَّت الرقمنة إلىالتوسُّع في فتح الحسابات البنكية، وإلى توفير الكثير من الجهد والمال في خدمات الدفع، والتحويلات البنكية، والتسويات الائتمانية وغيرها.

الشاهد أنَّ التركيز على الاقتصاد الرقمي عبر وزارة مختصة تسعى إلى تجذير استخدام الرقمنة وتطبيقاتها، وتحسين مستوى استخدامهافي الاقتصاد الوطني، وربطها مع مفهوم الريادة، هي قضية ذات أهمية كبرى للاقتصاد الوطني، خاصة إن علمنا أنَّ العالم يتجه إلى إلغاء نحو 45 مليون وظيفة تقليدية روتينية في عدة مجالات مع حلول العام 2025، بيد أنه يتجه أيضاً إلى خلق نحو 65 مليون وظيفة ذات جودة عالية ترتبط بالرقمنة والريادة والتطبيقات الذكية خلال نفس الفترة. ونأمل أن تعمل الوزارة الجديدة بجدية على توجيه الاقتصاد نحو الإنتاجية الرقمية الأفضل والوظائف أو الاستثمارات المتعلقة بذلك.

الملاحظة الثانية، على صعيد الحكم المحلي، فإنَّالتحوُّل نحو فكر التنمية المحلية عبر سياسات تقوم على ما يُسمّى عالمياً “استراتيجيات تطوير المُدُن” بات لا مناص من تطبيقه في الأردن، وهو أمرٌ يستدعي التركيز على الميزة النسبية والتنافسية للمناطق، بما يؤدي إلى إشراك أهلها، والجهات ذات العلاقة بها، وخاصة القطاع الخاص المستثمر في تلك المناطق، وفق منظومة عمل مؤسَّسية تؤدي إلى الخروج باستراتيجيات لا مركزية تُحسِّن من مستويات التنمية في المناطق، وتؤدي إلى خلق الوظائف ضمن نطاقها، دون الحاجة إلى الهجرة عنها إلى العاصمة أو المدن الأخرى، ويصل إلى تحقيق مزيد من سياسات تحفيز الاستثمار القائم وتوسُّعه، انطلاقا إلى جذب استثمارات محلية وخارجية جديدة إلى تلك المناطق، وهو أمرٌ يتطلَّب بالفعل وزارة معنية بهذا الشأن، وزارة توجهها التنمية المحلية، والحكم المحلي، بفكر المساعدة على وضع الاسترايتجيات، وصنع السياسة، والمساعدة على التطبيق وصولاً  إلى أفضل نماذج التطبيق العالمية في ذلك. وأخيراً وليس آخراً، الملاحظة الثالثة حول أهمية الانتقال بوزارة العمل، من فكر ترخيص العمالة الوافدة وملاحقتها، وفتح الأسواق المحلية لها، إلى فكر التركيز على خارطة عمل أردنية، خارطة تقوم على دراسة السوق الآني والمستقبلي، وعلى دراسة الموارد البشرية المتاحة اليوم، وتلك التي ستتوافر على مدى العقدين القادمين، ومن ثمَّ تتوجَّه إلىوضع خارطة طريق آنية ومستقبلية لاستيعاب العمالةالوطنية، ومساعدتها ليس على البحث عن وظيفة، بل على خلق وظائف بنفسها، عبر سياسات تُشجِّع الريادية، وتؤهِّل المورد البشري الأردني لها. ربط وزارة العمل بالخدمة المدنية هي بداية، ولكن المتوقَّع أن تعمل الوزارة بالمفهوم الجديد القائم على التخطيط السليم، الآني والمستقبلي، للمورد البشري الأردني، سواء المتعطل منه حالياً، أو الجالس منه على مقاعد الدراسة في المدراس والجامعات. هي ملاحظات ثلاث سريعة، بيد أنَّ كلاً منها يستحقُّ الدراسة والغوص بمتطلباته، ونأمل أن نخرج من السجال القائم على التعديل إلى النظرة الإيجابية التي تساعد على تحقيق الأفضل لاقتصادنا ومتطلباته. والزمن سيظهر نجاعة ما تمَّ استحداثه من مسميات، وما إذا كانت ظاهرة شكلية أم تحولاً منهجياً مفيداً وإيجابياً للاقتصاد

التعليقات مغلقة.