صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مُستجدات اقتصاديّة مع زيارة الصندوق

يبقى السؤال الأهم الذي دائما يُطرح بين الحين الآخر، لما نبقى في لحظات صندوق النقد الدوليّ طالما لدينا القدرة الداخليّة على إعداد برنامج اقتصاديّ مُشابه لما يعمله الصندوق؟

الزيارة الحالية لِبعثة صندوق النقد الدوليّ هي الثالثة هذا العام وهي تسبق المُراجعة الثالثة للاتفاق المُبرم مع الأردن والتي من المُتوقع أن تصدر في شهر أيلول المقبل علماً أن البرنامج نفسه سينتهي العمل به في شُباط من العام القادم.

تتزامن الزيارة هذه المرّة مع عدد من المُستجدات الاقتصاديّة التي طرأت على الاقتصاد الأردنيّ وهي وليدة جزء كبير من التزامات وتعهّدات الأردن تجاه الصندوق ضمن اتفاقه، إضافة لمواصلة الحكومة لعدد من السياسات وتنفيذها لبعض الإجراءات التي جعلت في المحصلة ظهور أجواء إيجابيّة في المباحثات الأخيرة بين الحكومة وصندوق النقد الدوليّ.

المُستجدات الاقتصاديّة السريعة التي سبقت محادثات الصندوق الراهنة هي أولا التحسّن الحاصل في الماليّة العامة خلال الشهور الأربعة الأخيرة من هذا العام عكس المؤشرات الأوليّة لأول شهرين والتي كانت قد شهدت تراجعا في حجم الإيرادات بعكس التوقعات السائدة، لِتُتصحح الأوضاع بعد شهرين.

فقد أظهرت الإحصاءات الرسميّة أن العجز انخفض قبل المنح إلى 3ر388 مليون دينار خلال الشهور الأربع الماضيّة مقارنة 9ر451 مليون دينار لفترة المقارنة ذاتها، في حين ارتفعت الإيرادات المحليّة بقيمة 93 مليون دينار إلى 6ر2482 مليون دينار لنهاية نيسان من العام الحالي مقارنة مع 6ر2389 مليون دينار.

هذا المؤشرات أعطت دفعة قويّة وإيجابيّة للمفاوض الأردنيّ مع الصندوق، لاسيما أن التوقعات والفرضيات اقتربت من الواقعيّة رغم المعيقات والتحدّيات الكبيرة التي تُحيط بالاقتصاد الوطنيّ، وأن السياسات والإجراءات التي اتخذت بدأت تُعطي ثمارها وأن الاقتصاد يسير على السكة السليمة المملوءة بالتحديات الداخليّة والخارجيّة معاً.

المستجد الاقتصاديّ الثاني الذي سبق زيارة الصندوق هو اِستكمال الحكومة لتنفيذ تعهّداتها نحو إعادة هيكلة المديونيّة، وها هي باتت اليوم جاهزة رسميّا لدفع أولى سندات اليوروبنود بقيمة مليار دولار في يوم ٢٦ من هذا الشهر، بعد أن حصلت على ما يقارب ٧٥٠ مليون دولار من قرض البنك الدوليّ البالغ قيمته ١.٢ مليار دولار، إضافة إلى نجاح البنك المركزيّ في طرح سندات داخليّة بقيمة ٤٠٠ مليون دولار اشترتها مؤسسات ماليّة ومصرفيّة محليّة لاستكمال باقي المبلغ المطلوب في سندات اليوروبنود.

المراجعة الثالثة أيضا تأتي قبُيل إصدار الحكومة لبلاغ الموازنة العامة لسنة ٢٠٢٠، والموازنة هذه المرّة من المؤكد أنها ستكون مُختلفة عن الموازنات السابقة لعدة أسباب ابرزها: خلوها من بند المنحة الخليجيّة هذه المرّة التي جرى استنفادها بالكامل تقريبا، إضافة لِكونها تتضمن اتجاهات جديدة في بنود المعونة الوطنيّة واللامركزيّة.

موازنة العام المقبل ستكون موجّهة حسب التصريحات الحكوميّة إلى تحفيز الاقتصاد ورفع مُعدّلات النُمُوّ، وهنا تسبق المراجعة الثالثة هذا الأمر لأن هُناك تفاهمات واضحة بين الأردن والصندوق بأن البرامج المعمول بها في آخر ستة سنوات لم تحقق أهداف النُمُوّ المستدام الذي تتطلع اليه الحُكومة، وهو ما جعل صفة السياسة الجبائيّة الماليّة تتسم بها كُلّ إجراءات الحكومات في السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي يحتاج اليوم إلى مراجعات تفصيليّة تحفيزيّة للاقتصاد الوطنيّ، يترجم من خلال السياسات والإجراءات في قانون الموازنة المقبل، والذي يتزامن هو الآخر من أنها العمل بالبرنامج الحالي مع الصندوق والاستعداد إلى سيناريو جديده معه بالتمديد أو باتفاق جديد وهو الأكثر ترجيحا.

يبقى السؤال الأهم الذي دائما يُطرح بين الحين الآخر، لما نبقى في لحظات صندوق النقد الدوليّ طالما لدينا القدرة الداخليّة على إعداد برنامج اقتصاديّ مُشابه لما يعمله الصندوق؟

الجواب هو أننا نستطيع في الأردن إعداد أي خطة اقتصاديّة تنمويّة شاملة، وما أكثرها في السنوات الأخيرة، فَكُل حكومة أعدت خطة وبرنامج اقتصاديّ سرعان ما كان مصيره الرف، في حين أن الاتفاقات الخارجيّة وعلى رأسها اتفاقات الصندوق التي تكون عابرة للأجيال والحكومات والبرلمانات، بحكم قوة الالتزام الرسميّ بها نظرا لتداعيات عدم التنفيذ على المملكة، وهنا يأتي سرّ قوة هذه البرامج، فالعيب فينا نحن الذي لا نلتزم بما وضعته حكوماتنا عكس ما يتفق عليه خارجيّاً.

[email protected]

التعليقات مغلقة.