صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أسواق حرة .. لكن ؟

في اقتصاد السوق التنافسي الحر، لا مشكلة في قيام شركة معينة برفع أسعار بعض منتجاتها. فهي تتحمل تبعات هذا القرار السعري على مبيعاتها (بشرط الاعلان عن الأسعار الجديدة ودون التلاعب في الأوزان).

لكن هنالك مشكلة في اتفاق مجموعة مهيمنة من المنتجين على تحديد السعر يشكلون في مجموعهم حصة مسيطرة أو حتى مؤثرة على السوق.

لمثل هذه الترتيبات الضارة بالمنافسة، تبنت الديمقراطية الليبرالية في الغرب تشريعات وهيئات مستقلة وقوية للمنافسة ومكافحة الاحتكار منذ أكثر من قرن في الولايات المتحدة (عام 1890 تحديداً)، ومنذ نحو خمسة عقود في الاتحاد الاوروبي، ومنذ نحو الف عام في الحضارة الاسلامية ضمن ما يعرف بنظام الحسبة!. 

فتبني اقتصاد السوق الحر -ضمن برامج صندوق النقد والبنك الدوليين- دون قوانين ومؤسسات كفؤة لدعم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية هو باختصار: وصفة فعالة لتحويل الاحتكار العام الى احتكار خاص، مع كافة التداعيات السلبية على رفاه المستهلك والكفاءة الانتاجية وبالتالي على مستويات المعيشة والتنافسية الدولية.

ومؤخراً، تم تشكيل لجنة من مختلف القطاعات للوقوف على كلف الانتاج وهوامش الربح لصناعة الالبان لاتخاذ القرار المناسب لكن دون مشاركة جمعية حماية المستهلك على ما يبدو، لكن المستهلك هو أكبر قطاع معني بالمسألة، مهما بلغ عدد العاملين في صناعة الألبان الوطنية الهامة. 

وحسب التشريعات المعمول بها، فان وزارة الصناعة والتجارة والتموين تملك صلاحية تحديد أسعار المواد الأساسية وهي تبيع هذه السلع والمواد جزئياً من خلال المؤسسة الاستهلاكية المدنية ويمكن ان تُسهّل المستوردات (او تحمي الانتاج الوطني)، وهي بالتالي تستطيع التأثير في السوق بالتعاون مع حوافز وزارة المالية. ووزارة الصناعة هي مُكلفة بمراقبة وحوكمة السوق في حال وجود تركزات أو اتفاقات أو ممارسات ضارة بالمنافسة أو “مبالغة في الأسعار” أو عروض غير حقيقية.

لكن من الناحية العملية، من يحدد ان كان السبب الرئيسي (أو أحد الأسباب) لارتفاع تكاليف انتاج الألبان هو زيادة أسعار مدخلات الانتاج والتدابير الضريبية وليس: سوء الادارة أو ضعف الكفاءة الانتاجية ) لأسباب متعددة منها تدني المبيعات والتصدير والحجم غير الاقتصادي وغياب وفورات الحجم الكبير( أو اتسلع المنافسة الخارجية غير العادلة. عندها لِمَ يتحمل المستهلك كلفة هذه العوامل الادارية أو الدولية الأخيرة؟

واذا كان قطاع الألبان الاردني بكافة أو معظم شركاته يعاني، ووصلت أرباح شركات القطاع (دون هدر أو سوء كفاءة) الى نقطة التعادل بين اجمالي الايرادات واجمالي النفقات بعد تراجع الارباح الايجابية التاريخية، فالحل المستدام طويل الأمد -من منظور المنتجين والمستهلكين معاً- هو ليس في الزيادة الحادة أو المستمرة للأسعار. فهذا يهدد البقرة التي تدر الحليب!

بل الحل هو في دراسة عنقود النشاط ككل (بيئة أعمال القطاع والأنشطة المرتبطة الأمامية والخلفية) وأسعار خدماتها ومختلف العوامل المؤثرة في أربحيتها. هذا سيُمهد لبرنامج صناعي لتحسين الربحية والكفاءة بالتعاون مع المؤسسة الاردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية، واقتراح خيارات لاعادة الهيكلة والهندسة المالية (من خلال تشخيص هيكل التكاليف والايرادات وتحديد أبرز بنودهما). 

هذه الدراسة ينبغي ان تخرج بتوصيات عملية وقابلة للتنفيذ لتكبير الكعكة (دعم النمو والتنافسية الصناعية وتقليل التكاليف والأسعار) بدلاً من مناقشة كيفية توزيع الكعكة القائمة ما بين المستهلك والمنتج والحكومة كما هو دارج للأسف!.

ويمكن للدراسة أعلاه اقتراح اجراءات وسياسات لتقليل بنود تكاليف هامة، بما فيها العبء الضريبي بسقف زمني، واستكشاف فرص الدمج والحماية الجمركية المؤقتة والتصدير الى أسواق خارجية مع وجود خدمات النقل المبرّد لتحقيق وفورات الحجم الكبير وبالتالي تقليل التكاليف.

التعليقات مغلقة.