صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الخَصخَصة ليست فساداً

التخاصيّة في الأردن سليمة في غالبية أنشطتها، لكن السياسات الرسميّة التي أعقبت الخصخصة هي من المفترض أن تقم وان يوجّه الشّارع لها تساؤلات، فما تم في الفوسفات من شبهات فساد كان بعد خصخصتها بِسنوات، وليس نتيجة الخَصخَصة بحدّ ذاتها.

وَصف عَمَليات الخَصخَصة التي جرت في الأردن خلال العقدين الأخيرين بأنها فساداً هذا كلام غير صحيح على الإطلاق؟ ويُنافي الحقيقة، فالتخاصيّة نهج اقتصاديّ يعظّم دور القطاع الخاص في إدارة العمليّة الإنتاجيّة مُقابل دور تنظيميّ ورقابيّ للحُكومة.

التخاصيّة في الأردن محلّ جدل في المجتمع على الدوام، والغالبية من النقاش ينحرف عن المسار الحقيقيّ، وهناك خلط بين عمليات التخاصيّة بحدّ ذاتها، وبين تداعيات التخاصيّة وما تَبَعَ تلك العمليات من سلوكيات رسميّة وخاصة أثارت جدلاً حاداً في المُجتمع.

غالبية الإجراءات التي تمت بها عمليات الخاصيّة -وفق تقرير اللجنة الملكيّة للتخاصيّة التي كان يرأسها رئيس الوزراء الحاليّ- كانت قد أقرّت بسلامة وقانونيّة غالبية الإجراءات باستثناء بعض الشركات التي شابها بعض المُخالفات في طرح العطاءات ولجوئها للتأزيم بدلا من استقطاب أفضل العروض ضمن عطاءات مَفتوحة وشفافة، مثل ما حدث في الفوسفات على سبيل المثال لا الحصر.

بالنسبة للعوائد فلا يوجد مُقارنة ما بين ما كانت تتقاضاه الخزينة قبل التخاصيّة وبعدها، فعوائد الاتصالات عشرة أضعاف عما كانت عليه قبل التخاصيّة للقطاع وأعداد العاملين لعشرات الآلاف والاستثمارات الإجماليّة التي تتجاوز الـ٤٠٠ مليون دولار على اقل تقدير، والأمر لا يختلف بالنسبة للمطار الذي كانت الحُكومة في السابق تقدم دعم له يقترب من الـ٥٠ مليون دينار سنويّاً، في حين أن الخزينة الآن تتقاضى اكثر من ٢٢٠ مليون دينار ولا تتحمل أيّة كُلّف تشغيليّة أو استثماريّة لِكامل مشروع المطار الذي تُديره وتُشغّله مجموعة استثماريّة فرنسيّة ينتهي عقدها التشغيليّ في عام ٢٠٣٢.

كذلك الأمر بالنسبة لوضع الحكومة في شركات التعدين وغيرها من الشركات التي مازالت الحكومة تحتفظ بحصص استراتيجيّة بالشراكة مع مستثمرين أجانب عالميين، وعوائد الخزينة كبيرة من تلك المُساهمات إضافة لرسوم التعدين والضرائب المُختلفة والرسوم الجمركيّة، فالبوتاس على سبيل المثال ستورد للخزينة ما يقارب الـ١١٢ مليون دينار ما بين توزيعات أرباح وضرائب ورسوم ومسؤوليّة اجتماعيّة، وهو أضعاف ما كانت تتقاضاه الخزينة قبل تخاصيتها.

إذا أراد الشّارع تقييم التخاصيّة فالأمر لا يتعلق بالخزينة بحدّ ذاتها، والأسئلة المشروعة هي السلوكيات المختلفة التي حدثت في القطاعات المختلفة بعد خصخصتها، فاستخدام عوائد التخاصيّة في صفقة نادي باريس المشؤومة ليس لها علاقة بالخصخصة بقدر ما هي سوء تخطيط رسميّ في ذلك الوقت في معالجة المديونيّة الخارجيّة مع نادي باريس.

واستمرار الحُكومات في بيع كامل أسهمها في شركة الاتصالات الأردنيّة بعد تخاصيتها لمدة ستة سنوات متتالية هو أيضا خطأ استراتيجيّ حكوميّ ليس له علاقة بالخَصخَصة ونظريتها بقدر ما هو رغبة حكوميّة في توفير مخصصات ماليّة لتمويل نفقاتها المُتزايدة.

التخاصيّة في الأردن سليمة في غالبية أنشطتها، لكن السياسات الرسميّة التي أعقبت الخصخصة هي من المفترض أن تقم وان يوجّه الشّارع لها تساؤلات، فما تم في الفوسفات من شبهات فساد كان بعد خصخصتها بِسنوات، وليس نتيجة الخَصخَصة بحدّ ذاتها.

[email protected]

التعليقات مغلقة.