صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تَرحيل المَشاكل

نعم صحيح هناك تحدّيات تعترض مسيرة الإصلاح الاقتصاديّ في الأردن منها ما هو خارجيّ وآخر داخليّ، لكنني اجزم أن الكثير من الشعاب هي وليدة القرارات الخاطئة التي اتخذت في أوقات غير صحيحة.

مُحاضرة نائب رئيس الوزراء السابق الدكتور رجائي المعشر الأسبوع الماضيّ في النادي الأرثوذكسيّ شخَّصَت الأزمة الحقيقيّة التي يُعاني منها الاقتصاد الوطنيّ، فذات الخِطاب الذي كان يُلقيه في الحُكومة هو ذاته في خارجها، والهدف النُصح والإرشاد وتقديم المشورة للمعنيين قدر الاستِطاعة.

البعض قد يقول انه كان في الحُكومة فلماذا لم يحلّ تلك المَشاكل والأزمات، والحقيقة أن مُشكلات الاقتصاد الأردنيّ مشاكل تراكميّة مُنذ سنين طويلة، وحلّها لا يكون ببضعة شهور كما يعتقد البعض، لكنه -أي المعشر- قاد اتجاه الحِوار في محاضرته إلى واحدة من أهم الأسباب التي أدت لِتفاقم عدد من المشاكل الاقتصاديّة خلال الفترات الماضيّة وهي التأخر في اتخاذ القرار المُناسب في الوقت المُناسب، وهو ما جعل كُلّف العلاج الماليّ عالية جداً فيما لو اتخذ القرار في وقته مع التفهم الكامل لطبيعة تلك المَراحل وتحدّياتها التي دفعت المسؤولين للتأخر في اتخاذ القرار السليم من وجهة نظرنا.

فَتَرحيل قرار الاستمرار بسياسة التعويم لأسعار المحروقات في عام ٢٠١١ لأسباب سياسيّة شعبيّة في حينها كان سبباً واضحاً في تنامي الإنفاق في الخزينة بشكل غير رشيد كلّف الخزينة حينها اكثر من ٣٠٠ مليون دينار على فترات مُختلفة، والعودة إلى التعويم لا يعني مُعالجة هذه النفقات الزائدة بل يعني مزيداً من المديونيّة، فكُلّ قرش تتحمله الخزينة ثمناً للمحروقات يعني اكثر من ٢٠ مليون دينار كُلّفة إضافيّة على الموازنة، والأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة لكيفيّة تعاطي الحُكومة مع انقطاع الغاز المصريّ الذي كلّف الاقتصاد الوطنيّ ديَّناً جديداً بقيمة خمسة مليارات دينار، حينها استمرت الحُكومة بذات التعرفة على المُحروقات بجانب لجوئها إلى زيت الوقود بأسعار عالميّة كبيرة ساهمت مُجتمعة في تغير سلبيّ لِهيكل الدّين العام في البلاد.

قد يقول قائل أن الحُكومات وقتها لم تستطع أن تقوم بأيّة إصلاحات ماليّة ومعالجات للتشوّه الحاصل في بنود التعرفة سواء الكهرباء ام المُحروقات بالشكل السليم لأسباب مُتعلقة أساساً بتنامي قوى الحِراك الاجتماعيّ ومظاهره التي سُميت حينها بالربيع العربيّ.

قد تكون الإجابة بأن الوضع الإقليميّ عامة والوضع الداخليّ خاصة فرض على الجهات المعنيّة مُعاملات أمنيّة للأحداث في البلاد علي حساب الإصلاح الماليّ، وهذا أمر قد يتفهمه البعض حينها، لكن في الحقيقة أن الكثير من الإجراءات والمعالجات الحُكومية والتي ليس لها علاقة أحداث الربيع العربيّ ساهمت في تفاقم الأزمات الاقتصاديّة بشكل اكبر.

خطة إعادة هيكلة القطاع العام وقرارها ليس له بتداعيات الربيع العربيّ، فالقرار الذي كلّف الخزينة اكثر من نصف مليار دينار هو قرار حُكومي داخليّ بحت، وهو يدلّل على ضعف الرؤية الحكوميّة الإصلاحيّة وتراجع إدارتها في بناء منظومة إصلاح مستقبليّة تتعاطى مع قضايا المستقبل، والأكثر سوءاً من ذلك كُلّه عدم تأسيس لِحوار وطنيّ في ضوء ذلك الزمان الذي كان يحلّ في الشّارع، وهو أدى إلى فقدان ثِقة الشّارع بالخطاب والسياسة الحكوميّة بشكل كبير.

التأخر باتخاذ القرار المُناسب وتَرحيل الحلول إلى مراحل لاحقة هو الذي أدى لِتفاقم الأزمات الماليّة في الموازنة التي كان الأوْلَى بالحُكومات تطبيقها والالتزام بقانونها وعدم تجاوز إنفاقها المقرر واللجوء لعدم إصدار ملاحق موازنة لتغطية الإنفاق الزائد هو نوع آخر من ترحيل المشاكل وعدم التعاطي الرشيد مع حالات الإنفاق الطارئ، مما ولدّ مشاكل كبيرة، الجميع يدفع ثمنها الآن.

نعم صحيح هناك تحدّيات تعترض مسيرة الإصلاح الاقتصاديّ في الأردن منها ما هو خارجيّ وآخر داخليّ، لكنني اجزم أن الكثير من الشعاب هي وليدة القرارات الخاطئة التي اتخذت في أوقات غير صحيحة.

[email protected]

التعليقات مغلقة.