صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التعبئة الملكيّة

وقف الملك ليتحدث بلسان حالٍ يحمل إيعازاً لشبابه " إلى الأمام سِر " .

بعفويّة الأب ، خاطب جلالة الملك أبناءه وبناته من جامعة اليرموك داعياً لكسر الحواجز والقيود وخوض معترك السياسة .

ولم تكن المرة الأولى التي يخاطب فيها جلالة الملك الشباب والشابات بهذه الجرعة من التشجيع ، وفي كلّ مرّة يدفع جلالته إلى المزيد من الجرأة المسؤولة في التعبير والمطالبة بالمزيد من الإصلاح والضَّغط في سبيلها .

هو خطابٌ سياسيّ أقرب إلى التّعبئة العسكريّة من القائد إلى جنوده على مشارف ساحات القتال ، من القلب إلى القلب ، بلا حواجز أو حُجّاب ، خطابٌ يعجز زعيمٌ أن يلقيه بهذه الصّورة المباشرة النقيّة ، خطابٌ يجب وأن يُقرأ مع سلسلة المعارك التي تكلّلت بالنجاح خلال هذا العام إبتداءً من اللّاآت الثّلاث مروراً بإستعادة الباقورة والغمر وليس إنتهاء بتحرير اللّبدي ومرعي ، خطابٌ يثبت أنّنا لا نعرف المستحيل .

وأمام التكلّس الذي عانته الساحة السياسيّة بفعل فاعلين رغم كلّ محاولات تهيئتها للتّغيير المنشود ، ومع تعالي الأصوات التنظيريّة لبعض قوى الشدّ العكسيّ التي يتوجّب عليها وأن تخلي الساحة لحساب الجماهير الشّاكية منها ، يحضر التّحفيز الملكيّ بنبرة أقوى ودفعة أكبر إلى مضمار العمل وصنع التّغيير ، مُطَمئناً حملة الآمال أَنّي معكم وهذه إرادتي ، وألّا تَخشوا في الحقِّ لومة لائم ، مُطمئِنّاً كقائدٍ أعلى وإبنٍ للحسين حَامِلَيّ لواء الكرامة أنّ جنده الأوفياء من أبناء وأحفاد أبطالها على يمينه ، على العهد والوعد .

ففي القانون ، هناك قاعدة مأخوذة من الفقه الإسلاميّ تقول بأن ” الدَّين مطلوبٌ لا محمول ” ، أي أنّ الدائن مُطالبٌ بالسّعي لتحصيل دينه رغم أنه حقّ ، وفي سياق تلك القاعدة جاء الصّوت الملكيّ مدوّياً لـ” خطوة تنظيم ” ورصِّ الصُّفوف والسّير إلى الأمام لتحصيل الحقوق وتولّي زمام المسؤوليّة كلٌّ من موقعه ، فما نَيلُ المطالب بالتّمنّي .

وما من بوّابة أوسع من السّياسة نحو التّغيير ، وهذه الطّاقات الخلّاقة الكامنة لدى شبابٍ مُجَهَّزٍ للعمل السّياسيّ هي مدعاة الأمل ومحلُّ الرِّهان ، فالأجداد والآباء قد عايشوا إمّا هجراتٍ قسرية أو أحداثاً داخلية أو شهدوا معركة كرامة الأمّة ، وما نحن جميعاً إلّا شهودٌ على محيطٍ عصفت وستعصف الأيّام بأركانه إلى يوم يُبعثون ، لذا ؛ فنحن أكثر الشّعوب وعياً لأثر السّياسة وتاريخها على صناعة الحاضر والمستقبل ، بل أنّنا صدّرنا الأمن إلى أصقاع العالم وبنينا منظومة دبلوماسيّة عجز كثيرون عن فكّ لغزها ، ونجونا في محيطٍ لا تفارق النّار أوصاله ، ولدينا في كلّ ركنٍ صديق ، أي أنّنا سياسيّون محنّكون بالطبيعة والفطرة .

ودون مقدّماتٍ أو مُحسِّناتٍ بديعيّةٍ تفتح أبواب التّأويل ، كان التوجيه الملكيّ واضحاً بإستنهاضه روح الشباب الرّشيقة في القفز فوق الحواجز التقليديّة والمطبّات الصّناعيّة التي أرستها التكلّسات البيروقراطيّة والنظرة الفوبيائيّة المُغرضة للأحزاب ، وهي رسالة إلى المؤسّسات جميعها بفتح الطّريق أمام طاقات الشباب التي يزخر بها الوطن ويفخر فيها القائد .

دقائق معدودة إختزلت فيها الكلمات الملكيّة المطلوب لتمتين الجبهة الدّاخليّة ومواصلة السّعي نحو الإصلاح بوتيرة أعلى ، ورسالة واضحة بإستحداث قوىً حزبيّة شبابيّة لا تهاب ما يقابلها بل تناضل بغية الوصول إلى غايتها ، بسواعد قادرةٍ على النّهوض والإنتاج ،وبسلاح الفكر الغنيّ الفاعل والمؤثِّر .

من واجبنا أن نعاين مضامين خطاب الملك بشفافيته وإنفتاحه كقطعة واحدة ، أساسها الإيمان بالوطن وبإرادة الإصلاح ، والتيقّن بأنّ سحب البساط من تحت أرجل قوىً سيطرت على مفاصل في السلطة وحتّى المعارضة مكلفٌ ، وأنّ لكلّ إنتصارٍ ضريبةٌ ملؤها التّشكيك والسّعي إلى نخر العقيدة ، وأنّ التّكاتف والعمل والتعاطي مع الشّأن العامّ بوعيٍ ومسؤوليّةٍ إيجابيّةٍ مسارٌ إجباريّ يحتاج رجالاً وأخواتٌ للرّجال .

وقف الملك ليتحدث بلسان حالٍ يحمل إيعازاً لشبابه ” إلى الأمام سِر ” .

التعليقات مغلقة.