صحيفة الكترونية اردنية شاملة

برنامج الصندوق الجديد

التحدي الأكبر سيكون أمام الحكومة في إثبات إدارتها الرشيدة للوصول إلى الأهداف التي تم رصدها في اتفاق الصندوق الأخير، والالتزام بما تم التعهد به من سلطات الدولة ومؤسساتها المختلفة كافة، فالأردنيون لا يملكون ترف الوقت في إجراءات الإصلاحات الاقتصادية، فبعد الاتفاق الأخير، باتت الكرة في ملعب الحكومة.

السؤال الأهم الذي يطرح قبل الخوض في تفاصيل البرنامج الجديد مع الصندوق: هل الأردن بحاجة إلى التعاون معه؟

الإجابة نعم، لأنه بدون الصندوق لن يستطيع الأردن الحصول على المنح والمساعدات الخارجية، ولن يتمكن كذلك من الحصول على قروض ميسرة بأسعار فائدة متدنية.

والسؤال الآخر: هل الأردن بحاجة إلى القروض الميسرة؟

الإجابة هي أن الأردن بحاجة ملحّة للاقتراض الخارجي من أجل تمويل احتياجات الموازنة وسد عجزها المالي الذي يبلغ ما يقارب الملياري دينار قبل المنح والمساعدات، علماً أن الأردن حصل في العام 2019 على منح وقروض بقيمة 2.8 مليار دينار، وهذا الرقم وحده يبين حجم المساعدات وأهميتها بالنسبة لاستقرار الاقتصاد.

أما متى سيتوقف الأردن عن الاقتراض فهذا الأمر مناط بقدرة الحكومات على خلق موازنات خالية من العجز، وهذا أمر من سابع المستحيلات، وأهمية الصندوق والتعاون معه تكمن في أنه يعزز التصنيف الائتماني للمملكة في الأسواق العالمية، مما سيجعل كلف الإقراض عليه متدنية نسبياً مقارنة عما هي عليه لو أرادت المملكة الاقتراض من دون وجود اتفاق مع الصندوق.

الجديد في اتفاق الصندوق أنه يوجه عمليات التصحيح لأساس المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد، وهي تباطؤ النمو الذي لم تتجاوز معدلاته في أفضل حالاتها منذ 2009 الـ2 بالمائة، وهي نسب متدنية؛ حيث فشل آخر برنامجين مع الصندوق في التطرق إليه أو حتى معالجته وتحفيزه.

البرامج السابقة اعتمدت على منهجية زيادة الضرائب والرسوم على عدد كبير من السلع والخدمات، بهدف توفير إيرادات جديدة للخزينة من أجل مواجهة العجز بالتوازي مع إلغاء أشكال الدعم كافة، والنتيجة كانت توفير مخصصات سريعة للخزينة على المديين القريب والقريب جدا، سرعان ما تراجعت فعلياً، مما أثر سلباً على إيرادات الخزينة، وبقي النمو في أدنى مستوياته.

البرنامج الجديد يوفر قرضا ميسرا للحكومة بقيمة 1.3 مليار دولار، بفائدة متدنية 3 بالمائة ولمدة زمنية طويلة 30 عاماً، وهذا القرض سيكون حقيقيا في الاستخدام والتمويل، بمعنى أنه يستخدم القرض لأغراض تنموية اقتصادية، بعكس التسهيلات التي وفرها البرنامجان الأخيران مع الصندوق بقيمة ما يقارب 723 مليون دولار لكل واحد منهما؛ حيث كانت مشروطة من الصندوق بوضعها فقط في البنك المركزي لتعزيز الاحتياطيات الأجنبية من العملات الصعبة من دون أن يسمح باستخدامها في أي أغراض أخرى، لذلك كانت مكلفة جداً على الخزينة التي كانت تدفع للصندوق فائدة الإيداع.

البرنامج الجديد يوفر تمويلا للحكومة بسعر فائدة متدن يمكنها من دفع سندات يورو بوند كانت قد حصلت عليها خلال أعوام ماضية بأسعار فائدة وصلت 7.4 بالمائة، وهذه هي الخطوة الأولى الصحيحة في تخفيض كلفة خدمة الدين العام التي تبلغ في موازنة 2020 ما مقداره 1.254 مليار دينار، فالتوجه الأساسي والسليم هو إحلال القروض الميسرة بفائدة منخفضة محل القروض ذات الفائدة المرتفعة.

الجديد في البرنامج مع الصندوق أن الحكومة ممثلة بوزارة المالية قامت بإعداد البرنامج بكل تفصيلاته، وهو بناة أفكار وطنية بحتة، وكان دور الصندوق محصورا بتفهم احتياجات الأردن لبرنامج جديد يحفز النمو ويحد من التشوهات في مكافحة التهربين الضريبي والجمركي، ويقدم التسهيلات اللازمة للخزينة من دون اللجوء لفرض زيادات في الضرائب والرسوم كما كان يتم في السابق، وهذا فعلا ما تم، وهو يعد إنجازا للمفاوض الأردني أن يحصل على ما يريد من دون مقاومة من الصندوق كما كان سابقا.

التحدي الأكبر سيكون أمام الحكومة في إثبات إدارتها الرشيدة للوصول إلى الأهداف التي تم رصدها في اتفاق الصندوق الأخير، والالتزام بما تم التعهد به من سلطات الدولة ومؤسساتها المختلفة كافة، فالأردنيون لا يملكون ترف الوقت في إجراءات الإصلاحات الاقتصادية، فبعد الاتفاق الأخير، باتت الكرة في ملعب الحكومة.

[email protected]

(نقلاً عن الغد)‎

التعليقات مغلقة.