صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هل يدفع الأردن ثمن مواقفه؟

في دوائر صنع القرار، استعداد جدي للتعامل مع أسوأ الاحتمالات فيما يخص العلاقة الأردنية مع واشنطن وإسرائيل، والإشارة هنا تأتي كرد على سؤال”افتراضي” بشأن الثمن الذي سيدفعه الأردن جراء رفضه لخطة السلام الأميركية بصيغتها الحالية.
ساسة كبار ومحللون أردنيون، ذهبوا في توقعاتهم إلى حد التحذير من سيناريو تعليق المساعدات الأميركية للمملكة، كوسيلة لإجبار الأردن على الانخراط في ترتيبات صفقة القرن. وفي البال قرار مماثل اتخذته إدارة الرئيس جورج بوش الأب بعد حرب الخليج الأولى.
الإدارة الأميركية الحالية لايمكن التنبؤ بقراراتها، وميزتها الحاضرة المزاج السياسي المتقلب، والقرارات المفاجئة والمتناقضة، ولنا في السياسية الأميركية حيال سورية خير مثال.
لكن مخاوف الساسة الأردنيين تنطوي على قدر من المبالغة من وجهة نظري،لاعتبارات عديدة.
أولا، الأردن لم يرفض الدور الأميركي في عملية السلام، بل العكس كان وما يزال على قناعة أنه وبدون دور أميركي قيادي لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط. والأردن لم يتحفظ على خطة السلام الأميركية من حيث المبدأ، إنما على صياغاتها وبعض بنودها الرئيسة.
ثانيا، موقف الأردن المتحفظ بشدة على مضامين”الصفقة” ليس بجديد أو مفاجئ بالنسبة للإدارة الأميركية، فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، خاض الطرفان في حوارات معمقة حول عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وشهدت أروقة البيت الأبيض وقصر الحسينية في عمان نقاشات ساخنة بين الوفود الأميركية وكبار المسؤولين الأردنيين. وفي كل لقاء كان الجانب الأردني ينصح الإدارة الأميركية صادقا ومخلصا بضرورة العمل على خطة عادلة ومنصفة تضمن سلاما تقبل به الشعوب، ويعالج المشكلات الجذرية في الصراع العربي الإسرائيلي. وعندما اعترفت إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل العام المنصرم، سجل الأردن رسميا موقفه الرافض، لا بل وقاد تحركا علنيا ضد الخطوة.
وحين هددت الولايات المتحدة بقطع المساعدات عن الدول التي صوتت على قرار الجمعية العامة بهذا الخصوص، تهيأ الأردن للتبعات، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، ومضت مراسم التوقيع على اتفاقية الدعم الأميركي كما كان مخططا لها، وبزيادة معتبرة في قيمتها.
ثالثا، ينبغي أن نتذكر هنا أن الأردن يرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل، ومن الصعب على الإدارة الأميركية تبرير قرار قطع المساعدات عن دولة تقيم سلاما مع إسرائيل، وترتبط معها بمعاهدة مضى عليها أكثر من ربع قرن. مؤسسات الدولة العميقة في أميركا لايمكنها القبول بخطوة عدائية كهذه تجاه الأردن.
رابعا،الأردن طرف محوري وأساسي في تحالف دولي ضد الإرهاب تقوده الولايات المتحدة، وكان له على الدوام مساهمات جليلة في محاربة الجماعات الإرهابية، ويدير علاقة عميقة مع المؤسسات العسكرية والأمنية الأميركية والغربية في مواجهة خطر يهدد دول الغرب أكثر من دولنا في المنطقة.
الدور الأردني في محاربة الإرهاب كان مقدرا من جميع الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولا يمكن لعاقل أن يعرض استقرار وأمن حليف استراتيجي كالأردن للخطر لمجرد أنه رفض خطة أميركية لحسم صراع مستمر وبات عصيا على الحل. فلماذا يدفع الأردن وحده دون غيره ثمن الفشل الدولي والإقليمي بحل هذا الصراع على مدار عقود طويلة، بينما هو أكثر الدول تضررا من تداعياته؟!
خامسا، صفقة القرن موجهة في الأساس لطرفي الصراع، الطرف الإسرائيلي قبلها ورحب بها، والطرف الفلسطيني رفضها قبل أن يطلع عليها لمعرفته الأكيدة بخطورة بنودها على حقوقه الوطنية. موافقة الأردن على الصفقة أو رفضها لن تغير شيئا مادام صاحب المصلحة المباشرة قد رفضها. والاعتقاد بأن الأردن يستطيع أن يجبر السلطة الفلسطينية على قبولها أو التعاطي معها من حيث المبدأ، اعتقاد خاطئ كليا، وواشنطن تعرف ذلك حق المعرفة.

الغد

التعليقات مغلقة.