صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لن نجوع لكن قد نخسر وطنا

بذل الجميع جهودا مضنية في محاولة إقناع الناس بأن الالتزام بتعليمات الحكومة بشأن آلية توزيع الخبز لا يهدف فقط إلى حماية المواطن من وباء كورونا، وإنما يحمي وطنا بأكمله، ذلك الوطن الذي يحرص كل الحرص على صمود منظومته الصحية وديمومة الخدمات التي يقدمها لمواجهة هذا الفيروس.
حتى أن جلالة الملك لم يتردد بالخروج إلى الناس في بث متلفز ليزرع في داخلهم الثقة بأنهم على قدر أهل العزم، وأنهم سند للدولة، ورسالة الملك كانت واضحة للجميع، بأن أمن الوطن وقدرته على تجاوز هذه الأزمة يبدأ بانضباط المواطن وتقيده بالتعليمات الوقائية.
من المؤسف أن أردنيين لم يتعاملوا يوم أمس بشكل يليق بالنشامى الذين راهن العالم على أن إدارتهم لهذه الأزمة العابرة التي يعيشها البلد ستكون مثالية، فشاهدنا فوضى لا ضرورة لها، وكأنّ الناس يرزخون تحت وطأة الجوع، ويقتربون من الهلاك لأنهم فقط لا يملكون خبزا. المشهد العام لم يكن لائقا بهذا الوطن وبأبنائه.
مئات التصريحات التي خرجت بها الحكومة بأن لا مبرر للتهافت، فالمخزون الإستراتيجي الغذائي في المملكة متوفر، ولن يحدث هناك انقطاع في التزود اليومي باحتياجات المواطن، وهو ما كان مدعاة لأن يلتزم الجميع بهذه المعادلة. العودة إلى نقطة الصفر وضياع جهود جبارة بذلت في محاولة محاصرة الفيروس مهدد بالضياع بسبب سلوكياتنا غير المدنية.
صمد الأردنيون طويلا، ويوما بعد يوم يلتزمون بقرار الحظر، وكلهم أمل أن لا تطول المسألة. لقد حجرنا على أنفسنا في منازلنا حبا وطواعية، ونحن نعد الساعات عدا بانتظار الفرج، لكن لم نحترم صمودنا وصبرنا هذا، ففي لحظة واحدة تهافتنا إلى الشوارع من أجل كيس خبز يحتوي على ثلاثة كيلوغرامات، فكيف سيكون الأمر إذا ما تم الإفراج عن الخضراوات على سبيل المثال؟.
بعض المناطق سجلت سلوكا حضاريا لا مثيل له، من حيث الالتزام بالدور، والتباعد بين الأشخاص مسافة آمنة، وهذا الأمر يأتي ضمن منظومة العمل السليم من أجل تجاوز هذه الأيام وفق المخطط لها.
لن نموت جوعا من دون خبز، ولو غاب عن الوجود لسنوات وليس لأيام، ستستمر الحياة، ولن تتوقف، لكن حتما نحن لن نقوى على العيش في وطن يملأ أجواءه وباء فيروس كورونا، لأن الخسارة ستفوق الإمكانيات والقدرات، فعندها سيكون لدينا خسائر صحية لن تحتمل، ومثلها خسائر اقتصادية قد تهز أركان هذه الأمة.
القصة ليست رغيف خبز، أو ماء، أو حبسا في المنزل لأيام وأيام، القصة قصة أمّة عرفت بصبرها وقدرتها على التعامل مع جميع الظروف من دون تذمر. لا نريد أن يسجل لها التاريخ أنها انهارت أمام مركبات توزيع الخبز.
إعلان أمانة عمان أمس أن عمل المخابز وتوزيع الخبز سيكون مفتوحا وإلى إشعار آخر، كفيل بأن يدرك الجميع أنهم إن لم يحصلوا على ما يريدونه اليوم، فإنهم سيحصلون عليه يوم غد، لذلك يجب تجاوز ما حدث، والبدء من جديد من أجل مواصلة المعركة ضد هذا الوباء.
كل ما نحتاجه للعيش متوفر، ولكن التنظيم أساسي من أجل إيصاله إلى المواطنين، وهذا واجبٌ؛ الدولة أعلنت أنها تلتزم به، ولا بد أن يقابل هذا الالتزام رفضٌ من قبل الأردنيين لما حدث يوم أمس، والاستفادة من سلبياته عند التعامل مع تعليمات الحكومة. مشهدنا بالأمس لم يكن جميلا أبدا.الغد

التعليقات مغلقة.