صحيفة الكترونية اردنية شاملة

حزم تحفيزية في مواجهة التداعيات الاقتصادية

يبدو أن الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا على المستوى العالمي ستفوق معظم التوقعات خصوصًا المتعلقة بسوق العمل، فقد أظهر تقدير أولي لمنظمة العمل الدولية في 18 آذار بأن الوباء سيزيد من أعداد المتعطلين عن العمل عالميًا من 5 إلى 25 مليون شخص.

بالرغم من الحجم الكبير لهذه الأرقام والتي تجاوزت في حدها الأعلى تأثيرات الأزمة المالية العالمية في العام 2008، إذ ارتفعت أعداد المتعطلين بما مجموعه 22 مليون شخص حين ذاك، إلا أن مسؤولًا في منظمة العمل الدولية وبحسب وكالة الأنباء رويترز عاد وبيّن أن معدلات البطالة ستكون أعلى مما كان متوقعًا في البداية.

خلال الأسبوع الماضي بيّنت إحصاءات صادرة عن وزارة العمل الأمريكية أن الطلبات الجديدة للحصول على إعانة البطالة ارتفعت إلى 3.3 مليون طلب في آخر أسبوع بعد أن بلغ المعدل 282 ألف طلب فقط في الأسبوع السابق، والذي يعتبر أعلى رقم يسجل خلال أسبوع في تاريخ الولايات المتحدة، متجاوزًا الرقم القياسي السابق بشكل كبير والبالغ 695 ألف طلب في العام 1982.

كما بيّنت تقديرات صادرة من موديز أناليتيكس “Moody’s Analytics” والمتخصصة في البحوث الاقتصادية المرتبطة بالمخاطر والأداء والنمذجة المالية – والتي تتبع وكالة التصنيف الدولية “موديز” – أن حوالي 80 مليون وظيفة في الولايات المتحدة من المحتمل أن تكون عرضة للخطر، وهو ما يمثّل تقريبًا نصف الوظائف في الاقتصاد الأمريكي والبالغ عددها 153 مليون وظيفة.

بحسب موديز أناليتيكس فإن 27 مليون وظيفة في الولايات المتحدة معرضة لمخاطر مرتفعة بسبب الفيروس، ومعظمها في قطاعات الضيافة والنقل والترفيه والسفر، ومن الممكن أن يتأثر 20% من هؤلاء العمال بفقدان وظائفهم (حوالي 5 ملايين وظيفة)، أما بقية الوظائف البالغ عددها 52 مليوناً فهي معرضة لمستويات متوسطة من المخاطر، والتي تشمل قطاعات أبرزها التعليم، البيع بالتجزئة، البناء والتشييد، والصناعة، ومن المتوقع أيضًا أن حوالي 5 ملايين من العاملين في هذه القطاعات قد ينتهي بهم المطاف من دون وظائف.

بالنتيجة تشير بعض التوقعات بأنه من الممكن أن ترتفع معدلات البطالة في الولايات المتحدة إلى ما نسبته 13% خلال هذا العام، بعد أن وصلت إلى أدنى مستوى لها في 50 عامًا عند نسبة 3.5%، علمًا أن معدل البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفع عقِب الأزمة المالية العالمية من 5% ليبلغ 10% في العام 2010.

في ذات السياق أورد المجلس العالمي للسفر والسياحة “World Travel and Tourism Council” تقديرات بيّن فيها أن نحو 50% من العاملين بالقطاع السياحي حول العالم سيفقدون وظائفهم على خلفية تفشّي الوباء، وهو ما يوازي 75 مليون وظيفة بسبب إمكانية تكبد القطاع السياحي خسائر تُقدّر بنحو 2.1 تريليون دولار في العام 2020.

أمام ضخامة هذه التقديرات صرّحت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي بالأمس أن الاقتصاد العالمي دخل بالفعل مرحلة ركود بسبب التفشي واسع النطاق لفيروس كورونا المستجد عالميًا، وأكدت على أهمية الاستجابة الفعّالة والمنسقة للظروف الاقتصادية القائمة، وأمام هذه الأزمة العملاقة لا ينبغي اتخاذ تدابير صغيرة، وأن موضوع تنشيط الاقتصاد العالمي موضوع كبير.

ليس من المستغرب إذًاً سقف الحزم الاقتصادية التي بادرت العديد من دول العالم لتشريعها وإقرارها من أجل إنقاذ اقتصادها الوطني والحفاظ على استمرارية عجلة الإنتاج واستبقاء الموظفين، إذ صادق الرئيس الأمريكي على مشروع قانون حزمة الإغاثة الاقتصادية البالغ قيمتها 2.2 ترليون دولار بعد أن كانت الحزمة قد ابتدأت بـ 1 ترليون دولار، وذلك للتخفيف من الآثار الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، وتشمل حزمة الإغاثة العديد من المبادرات وجزء كبير منها لدعم الأعمال وللمحافظة على العمال وتقديم معونات نقدية للمتعطلين والمواطنين.

دول أخرى خصصت مئات وعشرات المليارات لإنقاذ اقتصادها الوطني ولدعم الفئات المتضررة من العمال، فعلى سبيل المثال رصدت ألمانيا ما مجموعه 750 مليار يورو لبرنامج مساعدات طارئة لدعم الاقتصاد والفئات المتضررة من الأوضاع الراهنة، بريطانيا خصصت 350 مليار جنيه إسترليني، 330 مليارا منها (والذي يعادل حوالي 15% من الناتج المحلي البريطاني) كقروض مضمونة للشركات التي تحتاج إلى نقد لدفع الإيجار، أو للدفع للموردين، و20 مليار جنيه إضافية على شكل تخفيضات ضريبية ومنح للشركات.

بادرت الحكومة الأردنية مشكورة بأخذ العديد من التدابير الاقتصادية الفورية من أجل التجاوب مع تحديات هذه المرحلة من خلال مختلف الوزارات والمؤسسات والهيئات، وأبدت مرونة فائقة في التجاوب مع الإقتراحات، وعلى غرار مختلف دول العالم تتطلّب المرحلة الحالية التوسع في التدابير الاقتصادية من أجل بلورة حزمة إنقاذ وتحفيز اقتصادي تُبنى على تقديرات كمية محددة، بحيث يتم دراسة المبالغ المتوقع تخصيصها من مختلف المصادر، سواء أكانت على شكل ضمانات للقروض أو إعفاءات أو حتى برامج تمويل أو تحويلات نقدية، وأن تراعي هذه الحزمة خصوصية الفئات المستهدفة من أعمال، لتأخذ بعين الإعتبار حجم ونوع الشركات كالمساهمة العامة، أو الشركات الصغيرة والمتوسطة، أو الأعمال الفردية وفي مختلف القطاعات إن أمكن.

أيضًا لتتجاوب الحزمة المقترحة مع طبيعة الأسر والعمالة، سواء العمالة المنظمة في القطاع الخاص والقطاعات الاقتصادية الأكثر تضررًا، أو عمال المياومة، مع تحديد الأثر المتوقع للتدابير المقترحة، خصوصًا أن آخر الإحصاءات الرسمية أشارت إلى أن مستويات البطالة قبل بدء هذه الجائحة كانت 19.1% في الربع الثالث من العام الماضي، وإجمالي الدين العام تجاوز قليلًا عتبة 30 مليار دينار مع نهاية العام 2019.

التعليقات مغلقة.