صحيفة الكترونية اردنية شاملة

رواية الطاعون والكوليرا

صدرت رواية باتريك دوفيل “الطاعون والكوليرا” عام 2012 ونشرت مترجمة الى العربية لـ”منى طلبة” في القاهرة/ المركز القومي للترجمة في عام 2018، والرواية سيرة ذاتية واقعية لـ الكسندر يرسين الطبيب الفرنسي السويسري الذي اكتشف جرثومة الطاعون في عام 1894.
ولد ألكسندر يرسين في سويسرا عام 1863، ودرس الطب في ألمانيا وفرنسا، وعمل بعد تخرجه طبيبا في معهد باستور للأبحاث الطبية، وفي عام 1890 سافر إلى جنوب شرق آسيا، وهناك في بحوثه على مرض الطاعون اكتشف الجرثومة المسببة للمرض، ثم بدأ يعمل على إنتاج المصل المضاد للطاعون بالتعاون مع معهد باستور، وأقام في جنوب شرق آسيا فترة طويلة يعمل في البحث والتدريس إلى أن توفي هناك في عام 1943.
تعرض الرواية تفاصيل وقصصا كثيرة في أثناء رحلات يرسين، تجارب إنسانية ومغامرات، وعزلة في بلاد وأدغال مبتلاة بالفقر والمرض وضعف التعليم، .. والاحتلال، لكنه يحب حياته هذه، ويعمل مع الناس بتفانٍ، وكان دوفيل في ذلك يتتبع سيرة يرسين منذ ولد يتيما بعد وفاة والده الباحث في علم الحشرات إلى وفاته بعد ثمانين عاما، وفي ذلك نطلع إضافة إلى إنجازاته في علاج أمراض السعار والطاعون والكوليرا على تجارب وقصص إنسانية لذلك الطفل اليتيم الذي ترعاه أمه، ويظل يراسلها طوال حياتها، وهو بعيد عنها للدراسة في ألمانيا ثم فرنسا ثم العمل في جنوب شرق آسيا، وقد كانت هذه الرسائل مصدرا أساسيا للمؤلف.
كما يطلعنا المؤلف على التاريخ الاستعماري في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وحياة الشعوب الأقرب إلى الشيوعية البدائية، والتي كانت تنشئ حياتها الأساسية من غير مال، بل لم تكن تعرف للمال قيمة أو أهمية.
وتلقي بطبيعة الحال الحربان العالميتان الأولى والثانية ظلهما الثقيل على الرواية وعلى سيرة وتجارب يرسين، فالعالم كان يعاد تشكيله على أنقاض عالم يتهاوى، ولم يكن العالم المتهاوي ضعيفا أو مريضا، لكنه وجد نفسه في مواجهة عالم جديد مختلف بأدواته وأسلحته ومعارفه، سقط العالم القديم مثل فارس “ساموراي” وهو ينبض بالحيوية والشجاعة، لم يكن ذلك حربا بين أمتين، لكن عالما جديدا غير مألوف من الآلات البخارية والسيارات والقاطرات والطائرات والسفن والبارود والرشاشات والمدافع هبط على عالم رغم حيويته وثرائه المادي والروحي جرفه العالم الوافد واقتلعه من جذوره، ولسوء الحظ لم يحدث كما حدث في فيلم “أفاتار” حين انتصرت الشعوب الأصلية بأدواتها الأولية على التكنولوجيا الغازية رغم تقدمها المذهل. ولكن يجب أن نقول أيضا لقد حصلنا على الدواء للمرض والوباء بعدما كانت أمراض الطاعون والكوليرا والسل والملاريا والحصبة تحصد أرواح الناس بالجملة.
في وسط جموع اللاجئين وفي الدمار حول العالم، كان يرسين مكبا في مختبره لكنه لم يكن في عزلة عن الأحداث السياسية والعسكرية التي تعصف بالعالم مثل أو أكثر من الطاعون والكوليرا والانفلونزا.
تقاسمت الدول الأوروبية الكبرى (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) العالم بمبادة من بسمارك (مؤتمر برلين)، وكانت الكاميرون وناميبيا وتنزانيا وزنجبار من حصة ألمانيا، واصطدمت بنفوذ مصر في وادي النيل، وكان الشاعر الفرنسي الكبير آرثر رامبو ينقل البنادق (ويتاجر بالعبيد أيضا) لملك الحبشة لمواجهة مصر والإنجليز. ولم يكن يرسين بعيدا من ذلك، .. في تلك الأثناء كانت برلين عاصمة العالم، وكان الطاعون أيضا يداهم الناس ويصاحب الحروب.
واشترى يرسين مجهرا لمساعدته على البحث ومراقبة الكائنات الدقيقة، وبعد عشر سنوات يكون هذا المجهر أداته في اكتشاف الجرثومة المسببة للطاعون.
كان الطاعون مثل شبح مرعب، ولا تنسى أوروبا أنه فتك في القرن الرابع عشر بثلث (ويقال نصف) سكانها، وهو ما لم تقدر على فعله أي حرب في التاريخ، وصحبت المرض إشاعات وأزمات سياسية وقومية، وموجات كراهية حرق بسببها أشخاص بريئون لا علاقة لهم بالمرض ولا قدرة لهم ابتداء على نشره. الغد

التعليقات مغلقة.