صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الاردن .. ادارة الارادة وخيار الجميع

توكد التجارب الإنسانية ،ودروس التاريخ على مر الأزمان ، ان لكل أزمة وجهان ، الأول سلبي والثاني إيجابي ، وان المحن تنتج المنح والفرص الرائدة أحيانا ، وان التحديات قد تكون بوابات العبور إلى آفاق الإنجاز .

وفي تعاطي الأردن ( القيادة والدولة والإنسان ) مع أزمة ڤايروس كورونا ، يمكن ان نلمس تلك الحقيقة بوضوح ، اذ تترك الأزمة اثرا اقتصاديا سيئا – لا يمكن نكرانه – على الاقتصاد الوطني برمته، وستلقي بتداعياتها السلبية ، خلال الفترة القادمة ،على تفاصيل الحياة اليومية لمواطنيه، اقتصاديا واجتماعيًا ونفسيا .

لكن ماذا عن الوجه الآخر .. فهل سيكون لازمة كورونا اثار إيجابية ، على الأردن في حاضره ومستقبله ، وما هي اوجهها ؟ والإجابة على هذا السؤال باختصار ، هي نعم كبيرة ، وهذه ابرز المكتسبات والتوقعات .
 
اولا : شكلت أزمة كورونا ، فرصة ذهبية للدولة الأردنية، لاستعادة الثقة المفقودة بين المجتمع والحكومات ، وهو امر كان تحقيقه يحتاج إلى سنوات من الجهد الشاق والعمل المكثف والشفافية المطلقة ، من اجل ان نصل إلى مرحلة ، يصدق فيها الجمهور رواية الحكومات، خاصة وان الشارع اعتاد خلال السنوات الماضية ، على التشكيك في كل موقف او تصريح حكومي ، حتى لو كان واضحا كوضوح الشمس في رابعة النهار .
ولذلك فان ما حققته الدولة في أسابيع من عمر كورونا ، كان يحتاج إلى سنوات في زمن الرخاء ، ولعل وقوف الاعلام بشقيه الرسمي والاهلي في خندق الوطن ، و تقهقر الإشاعة لصالح الخبر الرسمي الصحيح، كان بعضا من تجليات هذا الانجاز.

ثانيا : خلال ذات الفترة ، التي لم تتجاوز الأربعين يومًا ، استعادت الدولة كامل هيبتها ، التي تعرضت للاهتزاز والتشويه والتشويش ، خلال السنوات الماضية ، وهي الحالة التي كان علاجها يحتاج في الأوضاع الطبيعية ، الى سنوات من الجهد والعمل والمال والمواجهة الخشنة أحيانا.
وإذا كانت هيبة الدولة تبدا من احترام الشرطي وتقديره، والالتزام بالقرارات والاجراءات الرسمية، فان ما نراه من مشاهد وتفاعل وتواصل في شوارعنا هذه الأيام ، يترجم المدى الذي بلغناه على هذا الصعيد، وهو واقع من الممكن ان نصوغ بناءا عليه شكل العلاقة بين الدولة والمجتمع، لمدة عشرة اعوام مقبلة.

ثالثا : ان الصورة الإيجابية التي ارتسمت للاردن مجانا ، خلال الاسابيع الماضية في اذهان ابناء شعبه ( اذ يفخر كل مواطن بانه اردني ) وعند الشعوب العربية والأجنبية الأخرى ، بسبب تعاطيه الاخلاقي – الإبداعي مع ازمه كورونا، ونجاحه في تكريس نموذج ( دولة الإنسان أغلى ما نملك ) كانت تحتاج الى انفاق مئات الملايين من الدنانير ، والى جهد مئات الخبراء ، في العلاقات العامة والإعلام وعلمي النفس والاجتماع ، والى سنوات طويلة من العمل المضني المكثف من قبل جميع الأطراف المعنية وكل ضمن اختصاصه ، سياسيا واقتصاديا واجتماعيًا ،وقوة ناعمة، وعلاقات دولية .

رابعا : في الملف السياسي الداخلي اثبتت أزمة كورونا ان الدولة الأردنية كسبت الرهان واستطاعت ان تحشد الشعب خلف قيادتها الهاشمية ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني ، وتضمن التزام المواطنين ، بكل اجراءات الحكومة وقراراتها ، وسحبت بذلك البساط من تحت اقدام كل من يدعي او يحسب على انه معارضة ، فلا معارضة سياسية في الأردن اليوم بالمعنى العملي ، بعد ان وقف الشعب بالمطلق مع قيادته ودولته ، التي اثبتت له انها معه وله في كل الظروف والأحوال.
والامل معقود على ان لا تضطر الحكومة ، في مقبل الايام ، الى اتخاذ قرارات غير شعبية ، تمثل ” ابرة الحياة” لكل باحث عن ” مناحة ” ليلطم بها ، خاصة وان ردود الافعال على القرارات الخاصة بموظفي القطاع العام ، اثرت بصورة ما على حالة ” الايجابية ” التي يعيشها المجتمع منذ اسابيع .

خامسا : وعلى مستوى العلاقات الخارجية ،فان مراكز وعواصم صنع القرار في العالم ، ترصد بعين ثاقبة أداء الدول خلال هذه الأزمة ، من اجل اعادة رسم خارطة التحالفات المستقبلية معها ، على ضوء تعاونها وأدائها وتفاعلها وإنجازها او إخفاقها في ملف كورونا .
فالتحالف بالنسبة لهذه الدول يجب ان يكون مع بلدان قادرة على التعاطي الإيجابي مع الأزمات ، وليس مع كيانات ضعيفة هشة غير قادرة على حماية مصالحها ،فكيف سيكون بمقدورها التعاون لحماية مصالح شركائها وحلفائها على مستوى العالم .
وفي هذا فان الأردن مؤهل لكي يكون الدولة الأولى في المنطقة ، التي تستحق ان تكون حليف مؤتمن ، وقادر على حماية مصالحه الوطنية ومصالح حلفائه واستثماراتهم وجالياتهم، في الظروف الطبيعية والطارئة ، وهو الأمر الذي سيترجم لاحقًا بدعم اقتصادي وازن من طرفها ، وبموقف ايجابي من قبل المؤسسات الاقتصادية الدولية ، التي ترى في الأردن نموذجا ناجحا يستحق ان يدعم .    

سادسا : في البعد الاقتصادي للازمة ، فان الأردن مرشح لأن يحصد مستقبلا ، نتائج إيجابية على هذا الصعيد ، اذ من المتوقع ان ينقل عدد من رجال الاعمال الاردنيين في الخارج ، استثماراتهم او جزء كبير منها الى الأردن، فور انتهاء أزمة كورونا ، لان هذا الامتحان كشف لهم ، ان الأردن هو الوطن الانموذج الذي يستحق ان يعاش فيه ، كونه يضع مستقبل أبنائه وصحتهم على راس أولوياته، بغض النظر عن حجم التضحيات الأخرى .

وخلال تواصلي في الايام الماضية مع العديد من الأصدقاء العرب والاجانب ، للاطمئنان عليهم ، فقد رجح هؤلاء ، ان تباشر اعداد معتبرة من المستثمرين العرب ، الاستثمار في الاردن، بعد انتهاء أزمة كورونا، كون الجائحة اثبتت ان المملكة كانت دولة مميزة وقت الأزمة ، في مختلف المجالات وعلى جميع الصعد، وانها دولة متفوقة بكل المعاني والدلالات ، خاصة عندما يتعلق الأمر بإدارة الأزمات ، التي تشكل دائما الهاجس الابرز للمستثمرين.

ولم تتوقف القراءات الاقتصادية المستقبلية وأثرها على الأردن ، عند هذا الحد ، بل ان التوقعات تجاوزتها الى الشركات العالمية المتعددة الجنسيات ، التي ستضع ملامح خارطة استثماراتها المستقبلية ، بناء على نجاح او فشل جهود دول العالم في التعاطي مع أزمة كورونا .
وسيكون الاردن – في هذا المجال – في طليعة دول العالم التي ستظهر على رادار ات هذه الشركات ، باعتبارها دولة رائدة ، نجحت في إدارة ملف الأزمة ، في الوقت التي فشلت فيه دول أخرى تفوقها في الإمكانات المادية والبشرية.

في المحصلة ، اكدت أزمة كورونا ، ان الأردن تفوق على نفسه ، واستحق بجدارة ان يكون الوطن المبتغى ،لابنائه في الداخل والخارج ، والبيئة الاستثمارية المناسبة لمن يسعى الى الاستثمار المستقبلي فيه من عرب او اجانب ، والحليف المؤتمن فيما يخص التحالفات الدولية .
 
لقد حيدت الازمة مصادر القوة المعروفة، على مستوى العالم ، باشكالها السياسية والاقتصادية والعسكرية ، لكنها ابرزت قوة عنصر ( إدارة الإرادة ) باعتبارها سلاحا لم يجرب من قبل ، وكان الأردن هو النموذج التطبيقي لذلك ، ولربما تكون المملكة ، هي الدولة الأولى في المنطقة التي تهزم كورونا، وتسجل بذلك انجازا ، يضاف الى سفر نجاحاتها ، التي سنستذكر – باذن الله – ابرز محطاتها ، العام المقبل ضمن الاحتفالات بالمئوية الاولى لتأسيس الدولة ، وان غدا لناظره قريب.

[email protected]

التعليقات مغلقة.