صحيفة الكترونية اردنية شاملة

استحقاقات ماليّة عاجلة

بالنسبة للاستحقاقات المترتبة على الخزينة، فإن الحكومة تعهدت بالإيفاء بالخارجية والداخلية منها معا كاملة، وقد نجحت الحكومة مبدئيا في اتصالات مع صندوق النقد والبنك الدوليين وبعض المانحين في إعادة ترتيب بعض الاستحقاقات الماليّة وتأمين السيولة المطلوبة لهذه الفترة

تداعيات كورونا على الاقتصاد الأردني ليست محصورة بتوقف وتراجع عجلة نشاط القطاع الخاص فقط، وإنما ستمتد لتطال قطاعات عديدة وعلى فترات متباينة، خاصة وأن تداعيات الوباء العالميّ تشمل الاقتصاد الدولي برمته والذي تشير التقارير المختصة أنه سيدخل في أسوأ مرحلة كساد في النصف الثاني من هذا العام.
في الأردن، فإن وباء كورونا سيعصف بأساسات وفرضيات الخطة الماليّة للدولة لسنة 2020 برمتها، وهذا واضح بسب بندين رئيسين هما:
أولًا: تراجع إيرادات الخزينة من التحصيلات الضريبيّة بسبب توقف عجلة الإنتاج لغالبية قطاعات الاقتصاد الوطنيّ لفترات مختلفة، وهو ما سيؤثر على توريدات الضريبة خاصة من ضريبة المبيعات والضرائب غير المباشرة من رسوم واقتطاعات مختلفة، وهو ما كشفه وزير المالية مؤخرا من أن الخزينة خسرت ما يزيد على الـ600 مليون دينار في الشهرين الماضيين.
ثانيا: نمو طارئ لنفقات تشغيليّة مختلفة خاصة فيما يتعلق بالمجهود الصحيّ ونفقات الدفاع والأمن المختلفة بسبب تصديهم لتداعيات فيروس كورونا.
البندان السابقان وفي أحسن السيناريوهات تفاؤلا، من المرجح أن يرفعا عجز الموازنة من 1.046 مليار دينار مقدّر في قانون موازنة 2020 إلى ما بين (2-2.25) مليار دينار على أقل تقدير ما لم يحدث أي شيء طارئ لا سمح الله.
القضية الأخرى التي تلوح بالأفق وتشكل ضغطاً رهيباً على الخزينة هو استحقاق سندات اليوروبوند بقيمة 1.25 مليار دولار وجب دفعها مرّة واحدة في شهر تشرين الأول المقبل، كانت الحكومة قد استدانتها قبل أكثر من عشر سنوات.
مبلغ سندات اليوروبوند مع مبلغ العجز الماليّ مجتمعين يبلغان ما يقارب الـ3 مليارات دينار تقريبا، يتطلب من الحكومة البحث عن مصادر تمويل لهما، وهذا أمر في العادة يغطى إما بالاقتراض الداخليّ أو الخارجيّ.
تداعيات كورونا للأسف جعلت من عمليات الاقتراض الخارجيّ صعبة وشبه مجمدة في الفترة القصيرة الراهنة من قبل المانحين والمؤسسات الدوليّة المعنية بالإقراض، فالكل اليوم تحت صدمة كورونا الاقتصاديّة التي ما زال الكثير يجهل مداها وامتداد آثارها على الاقتصاديّ على العالم، لذلك فالكل مشغول بإعادة ترتيب أوراقه ومواقفه الماليّة لتخفيف وطأة الكورونا عليه، فهذا الوباء يطال الجميع بلا استثناء، غنيهم وفقيرهم.
يبقى خيار الاقتراض الداخليّ، وهو أمر متاح للحكومة على الدوام، لكن إذا ما تجاوز الحدّ المنطقيّ فإنه سيؤثر على السيولة المحدودة في داخل الاقتصاد الوطنيّ والتي اليوم القطاع الخاص في أمس الحاجة لها لإعادة هيكلة أنشطته وأعماله المختلفة والخروج من نفق كورونا بأقل الخسائر واستغلال الفرص المتاحة لنمو بعض القطاعات التي تمتلك فرصة للنهوض فيها وهي بأمس الحاجة للاقتراض من الجهاز المصرفيّ لتحفيز أنشطته.
لكن افتراضنا إذا ما قامت الحكومة بزيادة وتيرة الاقتراض الداخليّ على حساب الاقتراض الخارجيّ وبشكل يفوق الحدود الاقتصاديّة الآمنة فإن ذلك يعني مزاحمة الحكومة القطاع الخاص على السيولة المتاحة من أجل تلبية سداد نفقاتها المستعجلة ومواجهة العجز.
بالنسبة للاستحقاقات المترتبة على الخزينة، فإن الحكومة تعهدت بالإيفاء بالخارجية والداخلية منها معا كاملة، وقد نجحت الحكومة مبدئيا في اتصالات مع صندوق النقد والبنك الدوليين وبعض المانحين في إعادة ترتيب بعض الاستحقاقات الماليّة وتأمين السيولة المطلوبة لهذه الفترة.
الأردن اليوم بأمس الحاجة لدعم دوليّ استثنائيّ، لمواجهة تداعيات الكورونا الطارئة التي عصفت بكل مؤشرات الاقتصاد ووضعته في موقف صعب لا يمكن حله ذاتيّاً، خاصة وأن المملكة في مقدمة دول العالم المستضيفة للاجئين الذين استنزفوا الكثير من موارد الدولة وشكّلوا ضغطا رهيباً على مرافقها وخدماتها، لذلك المجتمع الدوليّ مطالب اليوم بمد يد العون للأردن الذي أثبت وفي أضعف وأقل الموارد أنه قادر على مواجهة فيروس كورونا صحيّاً مما شكّل حالة من الإعجاب الدوليّ بالنموذج الأردنيّ المتبع لاحتواء الوباء، لكن تبقى تداعيات الفيروس الاقتصاديّة وكيفية تعاون المجتمع الدوليّ على مساعدة المملكة في تجاوزها.

التعليقات مغلقة.