صحيفة الكترونية اردنية شاملة

العولمة والفجوات الاقتصادية بقلم: نوح سميث

تعني العولمة تزايد حركة الأفراد والسلع المادية ورؤوس الأموال عبر الحدود. وتتعرض جميع هذه العناصر إلى ضغوط متزايدة، ذلك أن حرية حركة الأفراد تتعرض اليوم لقيود بسبب فيروس «كورونا» وتفاقم موجة من مشاعر العداء تجاه المهاجرين حول كثير من أرجاء العالم. وما تزال الحركة الحرة للسلع مستمرة، لكنها تواجه تهديداً من جانب الحرب التجارية المشتعلة بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك الإدراك الجديد لهشاشة سلاسل الإمداد المنتشرة عبر جنبات العالم. واليوم، تواجه حرية حركة رؤوس الأموال تهديداً هي الأخرى بسبب ظهور القومية المالية.
حتى قبل تفشي الوباء، كانت الولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد إزاء الاستثمارات الصينية في الأسواق الداخلية. وعليه، عمدت إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى تعزيز سلطات لجنة الاستثمارات الأجنبية واستغلالها في قطع الطريق أمام عدد من الاتفاقات العابرة للحدود.
ويدفع فيروس «كورونا» أعداداً أكبر من الدول للتفكير بشأن اتخاذ إجراءات مشابهة، خاصة بعدما تسبب الوباء في خلق محنة مؤقتة لعدد كبير من الشركات القوية في مناطق مثل أوروبا والهند. وهناك قلق على نطاق واسع من أن شركات من الصين، حيث كان الوباء أكثر خضوعاً للسيطرة ولحقت بالاقتصاد أضرار أقل، ربما تحاول استغلال الفرصة للاستحواذ على أصول حول العالم.
واقترحت مارغريت فيستيدجر، المسؤولة عن شؤون تنظيم المنافسة داخل الاتحاد الأوروبي، شراء حكومات الدول الأعضاء بالاتحاد حصصاً في شركات محلية للحيلولة دون استحواذ شركات صينية عليها. كما اتخذت اليابان في الفترة الأخيرة خطوات نحو تقليص الاستثمارات الأجنبية في كثير من شركاتها المدرجة في البورصة.
حتى الآن، تضمنت جميع هذه التحركات إعاقة تدفقات رأس المال الواردة. ومن بين التساؤلات المطروحة ما إذا كان سيجري فرض قيود على تدفقات رأس المال الصادرة على الأخرى. واليوم، يبدو أن الولايات المتحدة تتحرك في هذا الاتجاه.
جدير بالذكر أنه في أعقاب فضيحة محاسبية، جرى حذف سلسلة كافيهات «لوكين كوفي» الصينية من مؤشر «ناسداك». وربما تكون جريمة الاحتيال التي وقعت في «لوكين كوفي» مجرد قمة جبل الجليد، خاصة أن كثيرا من الشركات الصينية تورطت في مثل هذه الفضائح، ويعتمد كثير منها على معايير محاسبية غير مقبولة داخل الولايات المتحدة.
وفي خضم المخاوف حول المخاطر التي يواجهها المستثمرون الأميركيون والتوترات المتفاقمة باستمرار مع الصين، مرر مجلس الشيوخ بالإجماع مشروع قانون لحذف كثير من الشركات الصينية من البورصات الأميركية. ومن أجل الحفاظ على إدراجها بالبورصة، يجب على أي شركة صينية إما إثبات أنها لا تخضع لسيطرة أي حكومة أجنبية (مهمة صعبة على الشركات الصينية، حيث تتماهى الخطوط الفاصلة بين الملكية الحكومية والخاصة في الصين) أو السماح بمراجعات دورية من جانب مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة، (كيان أميركي للرقابة الحسابية).
ونظراً لأن كثيراً من الشركات الصينية تخضع لسيطرة حكومية كاملة أو جزئية وتمقت مسألة فتح حساباتها المالية أمام الأميركيين، فإن هذا يعني أن شركات عملاقة مثل «علي بابا غروب هولدينغ» ربما ينتهي الحال إلى إلغاء إدراجها بالبورصات الأميركية.
وبذلك يتضح أن القومية المالية في صعود، لكن ما تزال هناك علامات استفهام بخصوص إلى أي مدى سيستمر هذا التوجه. ومن غير الواضح ما إذا كانت دول أخرى ستحذو حذو الولايات المتحدة في إلغاء إدراج شركات صينية في بورصاتها. أيضاً، من غير الواضح بعد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخذ مزيداً من الخطوات نحو تقييد الاستثمارات الصادرة منها.
وحال استمرار تنامي الحواجز أمام الاستثمارات إلى ومن الصين، فإن هذا من شأنه خلق فجوة اقتصادية جديدة بين الصين وكثير من باقي أرجاء العالم. وسيترك ذلك تأثيراً مروعاً على العولمة. وحال فرض قيود على عمليات الاستحواذ الصينية، ستزداد بذلك صعوبة بيع سلع صينية داخل الولايات المتحدة وأوروبا وأسواق أخرى، وسيعيق ذلك أيضا تدفق العمالة والأفكار.
وإذا زادت صعوبة الاستثمار داخل الصين، فستتضاءل احتمالات إقدام شركات من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والهند على وضع مصانع ومتاجر لها هناك.
المؤكد أن احتيال الشركات الصينية على مستثمرين أجانب ليس بالأمر الجيد. وربما يسمح تقييد عمليات الاستحواذ الصينية لدول أخرى بالاستيلاء على تدفق التقنيات المتطورة إلى الصين، ويحفظ لها بعض الميزة التنافسية في مواجهة منافسيها الصينيين المدعومين من الحكومة.
وبذلك نجد أنه رغم أن فرض قيود على الاستثمارات إلى ومن الصين قد يكون خطوة حكيمة، فإن صعود القومية المالية ينبغي أن يتوقف عند تلك النقطة ولا يتمادى لأبعد عن ذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»

التعليقات مغلقة.