صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الإعسار تجنبا للتصفية

الإعسار ليس تصفية كما قد يعتقد البعض، بل هو محاولة لإعادة إحياء الشركة والحفاظ على حقوق المساهمين والعاملين والدائنين معا من خلال تجميد جميع المطالبات بحق الشركة، والعمل على تشكيل لجنة للدائنين والتفاوض مع وكيل الاعسار للوصول الى تفاهمات تمكن الشركة من النهوض والعودة التدريجية للعمل وفق اسس صحيحة وسليمة

شيء محزن أن تلجأ إحدى كبريات الشركات في المملكة وهي لافارج الاسمنت الأردنية لقانون الاعسار حتى تتجنب التصفية التي باتت اجبارية بحكم ان خسائرها تجاوزت الـ120 بالمائة من رأسمالها .

ان ما وصلت اليه الشركة من ترد في اوضاعها المالية هو نتيجة مباشرة للتقاعس الحكومي في تطبيق القانون واتخاذ الاجراءات اللازمة منذ سنوات لحماية الشركة من الانهيار ووصولها الى هذا المستوى بعد ان خدمت في الاقتصاد الوطني لأكثر من 70 عاما، وكانت من اوائل الشركات التي تم خصخصتها ودخول شريك استراتيجي بمستوى لافارج العالمية .

الشركة كانت توزع ارباحا سنوية تتجاوز الـ90 مليون دينار على مساهميها الذين يقدر عددهم بحوالي 30 ألف مساهم، وتشكل حصة الشريك الاجنبي ما نسبته الـ51 بالمائة، والضمان الاجتماعي ما يقارب الـ22 بالمائة من رأس مالها البالغ 60 مليون دينار.

من يصدق أن هذه الشركة التي كانت توزع ارباحا تتجاوز رأسمالها تلجأ لقانون الاعسار، ولا أعتقد أن باقي الشركات في القطاع بوضع افضل من لافارج الاسمنت الأردنية، فهناك 5 شركات في حقل الاسمنت وجميعها للأسف تحت مظلة الخسائر، فلا هي ربحت ، ولا توسعت في استثماراتها، ولا الخزينة استفادت منها بشيء.

ما وصلت اليه لافارج الاسمنت الأردنية هو لأسباب تسويقية وانتاجية في القطاع الذي يتراجع نشاطه بشكل كبير منذ سنوات، مع توقف التصدير ووجود الكثير من العقبات امامه، ناهيك عن ارتفاع كلف الانتاج بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة من جهة، لكن هناك اسبابا اخرى وكبيرة دفعت الشركة للانزلاق في منحنى الخسائر الكبيرة اهمها المطالب العمالية التي فاقت في طلباتها حدود المعقول والمنطق، فمن يصدق ان اكثر من 270 عاملا كانوا يتقاضون كامل رواتبهم مع علاواتهم وتأمينهم الصحي الذي يمتد لمدى الحياة في مصنع الفحيص المتوقف عن العمل كليا منذ سبع سنوات، وعندما ارادت تسريحهم لم تجد امامها سوى مطالبات كلفتها عشرات الملايين من الدنانير.

الامر لم يقتصر على ذلك، فامتيازات الإدارات العليا السابقة هي الاخرى محل انتقاد لاذع واشراف لا يتناسب مع نشاط الشركة والتحديات التي تحيط بها.

تقاعس الحكومة كان واضحا في عدم اتخاذ الموقف الصحيح والحاسم في قضية أراضي مصنع الفحيص والتي تقدمت الشركة بمخطط استثماري شمولي لها اصطدم برفض ومماطلات جهات انتخابية وبلدية وشعبية في الفحيص التي كان واضحا انها تطالب بضم الاراضي لها باعتبارها حقا لسكان البلدية متناسين ان الشركة تمتلك صكوك بيع وشراء كاملة للاراضي التي باعوها منذ عقود، فلا الشركة استثمرت وتوسعت وحمت استثمارها ووجودها، ولا البلدية استفادت من مشاريعها ودعمها الذي كان في السابق يصل إلى 5 ملايين دينار سنويا، ولا الخزينة استفادت من استمرار الانتاج في الشركة من حيث الضرائب والرسوم وغيرها، فالجميع خاسر بلا استثناء.

لجوء لافارج الاسمنت الأردنية لقانون الاعسار هو الوسيلة النهائية لتجنيب الشركة التصفية الاجبارية، وبالتالي خروجها من السوق بعد عمل اكثر من 70 عاما في المملكة.

الإعسار ليس تصفية كما قد يعتقد البعض، بل هو محاولة لإعادة إحياء الشركة والحفاظ على حقوق المساهمين والعاملين والدائنين معا من خلال تجميد جميع المطالبات بحق الشركة، والعمل على تشكيل لجنة للدائنين والتفاوض مع وكيل الاعسار للوصول الى تفاهمات تمكن الشركة من النهوض والعودة التدريجية للعمل وفق اسس صحيحة وسليمة، وهذا معمول به في كل دول العالم آخرها كانت شركات بيتزا هت في اميركا وعملاق السيارات السياحية هيرتز وقبلها شركة سعودي اوجيه.

طلب لافارج اللجوء لقانون الإعسار لا يعني انها حصلت على الموافقة في ذلك، بل الامر متروك للقضاء للنظر في طلبها حسب الاصول القانونية وقد تمتد دراسة الطلب لشهر تقريبا، والى ذلك من المفترض على الحكومة ان تدرس وتقيم ما حدث مع لافارج، لأن التأخر في اتخاذ القرارات الصحيحة في وقت ما سيكلفها الكثير في وقت لاحق .

 

@SalamahDarawi

نقلا عن صحيفة “الغد”

التعليقات مغلقة.