صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأوراق النقاشية ونقطة الإنطلاق

لتتلوها الأخيرة - الحاليّة - فتعالج كافة سلبيّاتها لنكون اليوم أمام إستحقاق مضمون النتائج المُرضية والمرغوبة .

ثمانية سنوات مرّت على نشر جلالة الملك الورقة النقاشية الأولى المعنونة بـ ” مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة ” ، وتلى ذلك أوراقٌ سِتّ كان آخرها في العام ٢٠١٧ حيث إختتمها جلالة الملك بـ ” إنني لأكرر التعبير عن سعادتي بهذا النقاش الدائر حول تنمية مواردنا البشرية وتعليم بناتنا وأبنائنا ، الموضوع الذي يمس مستقبل أمتنا، وأدعمه كل الدعم ” .

والحقيقة أن هذه الأوراق تشكل وحدة واحدة مترابطة تؤسّس لإصلاحٍ سياسيٍّ شاملٍ قائم على الحوار البنّاء الذي يحتاج التدريب ، لكنها لم تأخذ حقّها إذ تعاملت معها الأطياف كلٌّ وفق زاوية نظر منقوصة .

فقد أخذ المستوى الرسميّ بمضامينها كتوجيهات مُعدَّةٍ للإنفاذ وعجز عن تطبيقها لعدم مراعاته طبيعتها النقاشية كحجر أساس تنطلق منه الحوارات المُنتَظَرَة ، وتعاطى المستوى النخبويّ معها عبر نموذجين أحدهما متوجّسٌ كالعادة من إرتفاع منسوب الوعي السياسيّ الشعبيّ المزاحم على السُّلطة والآخر ينتظر نقطة إرتكاز تبادر بتبنّي الأوراق لغايات إنطلاق ماراثون النقاش المنشود ، ولم يتعامل معها أحدٌ كما يجب إذ أُعلِنَت كأوراقٍ قابلة للنقاش وليست كتاب تكليف ملكيّ بمضامين ثابتة ، بل تبنّت فكرة المظلّة العُليا التي يجتمع دونها الجميع بُغية إلغاء أية حساسيّات تقليديّة تنتج عن أيّ مشروع يتبنّاه فريق دون آخر ، فجائت من أعلى الهرم لتأخذ حقّها عموديّاً وأفقيّاً لتقسم على الجميع ، وقد ذكر جلالته في متنها عبارة ملكية أدبيّة إذ قال عنها ” فهي تشكل اجتهادا لترسيخ سلوكيات المواطنة الصالحة ” .

وحتى تنال الأوراق حقّها ، لا بدّ من فتح حوارات قطاعيّة تناقش فحواها لتنتقل بعدها إلى مرحلة الحوار الجماعيّ ثمّ ترتسم الخطط لإنفاذ ما خلص إليه الحوار العامّ ، فالتدريب على الحوار المنتج المؤدّي إلى قبول الآخر نهجٌ تبنّته الدول المتقدمة كمنهج دراسيٍّ وأسلوب حياة كانت ثمرته أجيال أثرت الحياة السياسيّة وقادت إصلاحاً إنعكس على مجالات الحياة كافّة .

وإذا ما ربطنا بين المضامين الكبيرة التي حملتها تلك الأوراق والتي علّق عليها ساسة عمالقة في الخارج بالإيجاب ، سنجد مشروعاً متناغماً يصلح لتغيير الكثير من النمطيّات التي تسيطر على مشهدنا الداخليّ ، ولا بدّ لهذا من جهة تتبنّى الحوار وتثبّت القواسم المشتركة إنطلاقاً من الديموقراطية المتجددة وإنتهاء ببناء قدراتنا البشرية التي يُعوَّل عليها في المرحلة المقبلة كما جاء في الأوراق .

لقد نادى جلالة الملك في العام ( ٢٠٠٨ ) بضرورة الإعتماد على الذات كسبيل لترسيخ إستقلالنا الإقتصادي – أي منذ إثني عشر عاماً – ، وها نحن من جديد نقرّ بسبق الرّؤية الملكية للجميع على مستويات الداخل والخارج ، فإلى متى سنبقى نُقِرُّ بذلك دون إتخاذ القرارات السليمة والمدروسة المنطلقة من تلك الرّؤى والمتوائمة معها ؟!

إنّنا اليوم أحوج ما نكون لحوارٍ وطنيٍّ ينطلق من نقطة يتفق حولها الجميع ، فهذا الحوار لا يُجرى في عالمنا سوى على وقع المدافع والدبابات وفوق الجثث ، بينما في الأردنّ ، المختلف في كلّ شيء فإنّه يجري بهدف التجويد والتحسين والتمتين.

فحتّى وإن كانت الخطوة متأخّرة بعض الشّيء ، بمقدورنا أن نفتح الحوار الوطنيّ المنبثق عن الأوراق الملكية النقاشية لا سيّما ونحن على أعتاب إستحقاق دستوريّ إنطلقت أوّل الأوراق بالتزامن معه في الإنتخابات قبل الماضية ، والتي كان من المفترض أن تشهد تدريباً على تغيير نمطية الإختيار 

لتتلوها الأخيرة – الحاليّة – فتعالج كافة سلبيّاتها لنكون اليوم أمام إستحقاق مضمون النتائج المُرضية والمرغوبة .

التعليقات مغلقة.