صحيفة الكترونية اردنية شاملة

إلا إعادة الحظر

ليس المطلوب من الحكومة خلق مشاكل اقتصادية جديدة، فلديها ما يكفيها وزيادة، كُل ما هو مطلوب منها اليوم هو تطبيق القوانين في الرقابة والوقاية الصحية وتعزيز عمليات الإرشاد التوعوي وحماية المواطنين قدر الإمكان، فهذا الوباء في النهاية تداعياته أكبر مما كنا نعتقد جميعاً.

تتحدث بعض الأوساط بشكل واضح عن احتمالية إعادة عمليات الحظر بكافة أشكالها لمواجهة خطر انتشار جائحة كورونا التي بات مشهدها اليوم أكثر قلقاً من ذي قبل.

لمجرد التفكير بإعادة حظر التجوال وتحديد ساعات العمل، فأنني اجزم هذه المرة وبكل وضوح أن الاقتصاد الوطني سيدخل في نفق مظلم وخطير قد لا تستطيع هذه الحكومة أو أية حكومة أخرى مواجهة تداعياته وآثاره التي من المؤكد أنها ستطال كل القطاعات الاقتصادية بلا استثناء، وسيكون لها عواقب وخيمة على الأمن المعيشي للمواطنين.

تداعيات الحظر السابق الذي فُرض في نهاية شهر آذار الماضي ما زالت عميقة اقتصاديا، فالاقتصاد الكُلي الذي اُغلق بشكل شبه كامل بشقيه العام والخاص كلف خزينة الدولة ما يقارب الـ1.3 مليار دينار، اقترضتها الحكومة لتمويل نفقاتها التي لم تنخفض، والتزاماتها التي لم تنقطع، والتي تعهدت الحكومة بالوفاء بها دون أي تردد، وفعلا فعلت ذلك وأوفت بكامل التزاماتها، لكن بالمقابل ارتفعت المديونية بشكل كبير نتيجة تنامي العجز المالي للخزينة وتوقعه ان يرتفع من 1.046 مليار دينار مُقدر في هذا العام إلى ما يقارب الـ2.3 مليار دينار على أقل تقدير.

الحظر السابق عطل عمليات التحصيل الضريبي والجمركي وباقي عمليات التحصيل الرسمي بواقع تجاوز الـ 660 مليون دينار في غضون ثلاثة أشهر فقط.

عمليات التوقف عن الإنتاج في القطاع الخاص ألحقت أكبر ضربة لجهود الحُكومة في عمليات التصدير الخارجي التي أظهرت الأرقام الرسمية الأخيرة تراجعها في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام بنسبة 5.5 بالمائة، في الوقت الذي كانت فيه جميع المؤشرات تُدلل على تنامي الصادرات في العام 2020، لولا كورونا التي عصفت بهذه التقديرات.

الاقتصاد الوطني لا يستطيع مقاومة تداعيات أية عمليات إغلاق خاصة في ظل جفاف التمويل الخارجي من خلال المانحين بشكل مباشر، فجميع دول العالم مُنشغلة بتداعيات هذا الوباء المر اقتصاديا كما هو صحيا.

للأسف في الإغلاقات السابقة، اضطرت الحكومة للاستدانة وإعطاء أولويات في التشغيل لمصانع الدخان والمشروبات الغازية، ناهيك عن دعم مسبق من الجهاز المصرفي الذي أدى في محصلته إلى وفاء الحكومة بكافة التزاماتها الداخلية والخارجية بشكل كبير، لكن هذا السيناريو لن يكون متاحا للحكومة هذه المرة ان تكرر سيناريو الحظر، فالقوة الشرائية للمواطنين بدأت تتراجع مع عودة الحياة لطبيعتها وعودة الالتزامات المعيشية اليومية على الأسر الأردنية، ناهيك من أن القطاع الخاص ما يزال مترنحا من الإغلاق السابق، والأعباء المالية عليه في تزايد نتيجة الأحمال الكبيرة التي تحملها من كلف إنتاج وعمالة ورسوم وتسهيلات وغيرها التي أثرت على قدرته الإنتاجية، لذلك أية أعباء جديدة مهما كان شكلها لن يقوى القطاع الخاص على تحملها حتى الشركات الكبيرة والرابحة التي دعمت الاستقرار الاقتصادي بقوة في ظل الجائحة.

ليس المطلوب من الحكومة خلق مشاكل اقتصادية جديدة، فلديها ما يكفيها وزيادة، كُل ما هو مطلوب منها اليوم هو تطبيق القوانين في الرقابة والوقاية الصحية وتعزيز عمليات الإرشاد التوعوي وحماية المواطنين قدر الإمكان، فهذا الوباء في النهاية تداعياته أكبر مما كنا نعتقد جميعاً.

التعليقات مغلقة.