صحيفة الكترونية اردنية شاملة

منهجية جديدة للمديونيّة.. من المستفيد؟

لعل المراقب لتطورات المشهد الاقتصاديّ يرى ان الحكومة تتجه لتخفيض حجم المديونية العامة وتنزيل نسبتها لـ70 بالمئة للاستعداد لمرحلة جديدة من الاقتراض الخارجيّ لتمويل استحقاقات المرحلة المقبلة والتي قد تتضمن تمويلا متزايدا لعدد من القطاعات الرسميّة

آخر تطورات مشهد المديونيّة العامة في البلاد وكيفية تعامل الحكومة مع تطوراتها المخيفة الأخيرة هو ما كشفه وزير الماليّة الدكتور محمد العسعس انه اتفق مع صندوق النقد الدوليّ على منهجية جديدة لاحتساب الدين تسمح للخزينة باستثناء ديون الضمان على الحكومة وباقي المؤسسات الرسميّة الداخليّة.

هذه المنهجية ستسمح للحكومة بإعلان نسبة دين منخفض عن النسب التي هي عليه الآن، وبالتالي من الناحية النظريّة يتحسن مؤشر الدين العام للمملكة أمام المانحين والمؤسسات الدوليّة، فتنخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجماليّ لما نسبته 70 بالمئة وهنا يتحسن التصنيف الائتمانيّ للمملكة وترتفع مرتبة المملكة ايجابا في التقارير الدوليّة الاقتصاديّة المختلفة.

هذا الكلام نظريّاً قد يكون صحيحا، لكن عمليا تبقى مديونيّة الحكومة على حالها دون تغيير، فاليوم بلغ الدين العام للأردن ما يقارب الـ 31.4 مليار دينار، أو ما نسبته 100.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، منه ما يزيد على الـ 12 مليار دينار دين خارجيّ ويشكّل ما نسبته 39 بالمئة من الناتج، واكثر من 24.8 مليار دينار دين داخليّ، حصة الضمان وحده من هذا الدين تتجاوز الـ 6.5 مليار دينار على عن طريق مشاركة السندات التي يطرحها البنك المركزيّ، ليكون بذلك اكبر دائن داخليّ للحكومة المركزيّة، يليه البنوك المشارك الرئيسي في تلك السندات .

استثناء ديون الضمان وغيره من المؤسسات من حسبة الدين العام ليس لها أي مدلول اقتصادي، فديون الضمان ملزمة بها الحكومة اساسا ، وبالتالي لا تستطيع أبداً تخفيض الديون التي عليها بالأرقام المطلقة سوى تغيير منهجية الاحتساب لتخفيض الدين الخارجيّ التي تدفع الخزينة سنويّاً ما يقارب الـ 1.456مليار دينار كخدمة دين، وانا اسأل السؤال المشروع، وهو: ما الهدف من قيام الحكومة بمثل هذه المنهجية في احتساب المديونيّة؟

لعل المراقب لتطورات المشهد الاقتصاديّ يرى ان الحكومة تتجه لتخفيض حجم المديونية العامة وتنزيل نسبتها لـ70 بالمئة للاستعداد لمرحلة جديدة من الاقتراض الخارجيّ لتمويل استحقاقات المرحلة المقبلة والتي قد تتضمن تمويلا متزايدا لعدد من القطاعات الرسميّة، أو تحسين ترتيب وضع المملكة الائتماني من اجل دفع قدرتها الاقتراضيّة بشكل جديد في ظل صعوبة الاقتراض الخارجيّ والداخلي هذه الفترة بأسعار فائدة متدنيّة، نظراً لوصول المديونيّة الخارجيّة والداخليّة لمستويات غير آمنة اقتصاديّاً تعيق الحصول على قروض بأسعار فائدة متدنيّة.

إيجابيّة وحيدة للمنهجية الجديدة هي ان تكون استراتيجيّة الاقتراض الحكومي هذه المرّة مركّزة على القروض متدنيّة الفائدة فقط؛ لإحلالها محل قروض ذات فائدة عالية، وبالتالي تخفيض خدمة الدين في المرحلة الأولى من معالجة المديونيّة.

لكن في المحصلة سواء تم استثناء دين الضمان وغيره من المؤسسات في معادلة احتساب الدين العام ام لا يبقى الدين ديناً ملتزمة به الحكومة ولا تستطيع التنصل منه بأي شكل من الأشكال مع فوائده، ولا يوجد ما يقلق الدائنين ابدا ، والمطلوب هنا ان يكون لدى الحكومة استراتيجيّة واضحة للتعامل مع المديونيّة بالأرقام المطلقة وكنسبة من الناتج أيضاً.

التعليقات مغلقة.