صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الفتاوى.. تُحاكي أولويات المجتمع الملحة

سمير الحباشنة

 

حدثني العم الفاضل محسن الحباشنة رحمه الله، أن وصفي التل كان زار قريتنا «راكين» في محافظة الكرك في مطلع السبعينيات، سأل الأهالي عن مطالبهم.. فأجابوا بدافع الايمان المعمرة قلوبهم به..

نريد يا «أبا مصطفى» توسيع الجامع.. الذي ضاق بالمصلين مع كثرة الناس..

قال وصفي رحمه الله: «ما هو وضع المدرسة في راكين»؟

قالوا: «والله أيضا المدرسة لم تعُد تتسع للطلبة وبحاجة الى توسعة وترميم»..

أجاب: الأولوية للمدرسة، فأرض الله واسعة، وأينما فرشت عباءتك وصليتْ، فهي مقبولة.. الأولوية للمدرسة، توسعة واصلاحاً وهذا ما تم..

*

تذكرت حديث العم «أبو مازن»، لما قرأت الفتوى التي صدرت عن دائرة الافتاء الأسبوع الماضي، والتي تقول بأن لدينا في البلاد اليوم أكثر من 7000 مسجد، كذلك الآف القطع من الأراضي المخصصة كوقف لبناء المساجد، أي أننا بتوفيق الله وسعي الحكومة ودعم المحسنين، قد عمرنا من بيوت الله، ما هو كافٍ لخدمة المصلين في كافة بقاع البلاد..

*

وبالمقابل.. فإن بلادنا تئن تحت وقع الطلب المتزايد على المدارس التي لم تعد تكفي لملايين الطلبة، بل وأن الكثير منها:

* آيل للسقوط أو يحتاج إلى إعادة بناء أو ترميم.

* الكثير منها بلا مرافق صحية مناسبة وبلا أسوار.

* أغلبها بلا تدفئة أو تبريد، تقي أبناءنا وأساتذتنا برد الشتاء وحر الصيف.

*الكثير الكثير يحتاج إلى توسعة وغرف صفية إضافية.

* مئات المدارس تضطر إلى اتباع نظام الفترتين، نظراً لضعف قدرتها الاستيعابية، أمام الآلاف من الطلبة الذين يلتحقون سنوياً في الدراسة، أو ينتقلون إلى المدارس الحكومية، لعدم قدرة الأهل على تغطية مصاريف أبنائهم في المدارس الخاصة..

هذا واقع البنية التحتية لمدارسنا في طول وعرض البلاد، والشكاوى بهذا الموضوع لا تتوقف، وبالمقابل فإن الحكومة واقعة تحت وطأة عجز يحول بينها وبين الاستجابة لتلك الطلبات.. ولكن «العين بصيرة و اليد قصيرة».

وإذا ما ذهبنا الى حقل الصحة، فالموضوع ليس أفضل حالاً، حيث نحتاج الى المزيد من المستشفيات والمراكز الصحية، بل وإلى توسعة ما هو قائم، وتجهيزها بالمعدات والأجهزة الطبية اللازمة، والتي تفتقر اليها الكثير من مؤسساتنا الصحية.

*

فهل الأولوية في الحالة الأردنية اليوم بناء المزيد من المساجد، رغم أنها وبحمد الله كثيرة؟ إن بعض القرى بها مسجدان وأكثر.. أم ضرورة أن يتوجه الخيرون إلى قطاعي التعليم والصحة..؟ وأخال وأنا لستُ بالفقيه، أن الله سبحانه وتعالى، يُضاعف الأجر حين يتوجه الميسور الى تغطية الحاجات الملحة للناس..

وعلينا أن نذكر أن وزارة الأوقاف لا تمتلك الامكانات الكفيلة بخدمة الأعداد المتزايدة من المساجد، والتي تشكو من نقص في الأئمة لعدم قدرة الحكومة على التوظيف، بل وتعذر القيام بالادامة اللازمة للمساجد القائمة، وأني أقترح هنا على الحكومة أن تسمي المدرسة أو المستشفى باسم من يقوم بتمويل بنائها.. فهذا حق له تخليداً لفعلته الطيبة.

وبعد.. هي رسالة إلى أهل الخير، نستهدي بقول رسولنا الكريم عليه السلام «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة» فكيف إذن هو أجر المرء الذي يُيسر للناس العلم..؟

إن ما ينطبق على بناء الجوامع إنما ينطبق على بناء الكنائس أيضاً، نحتاج إلى أن نتوجه نحو أولوياتنا الملحة في التعلم والصحة والرفاه.. فإن ذلك من واجبات الدولة/ حكومة ومواطنين ميسورين وأن الأجر ذات الأجر.. «والله أعلم».

والله والوطن من وراء القصد

التعليقات مغلقة.