صحيفة الكترونية اردنية شاملة

عرف التعديل

يعتبر التعديل الوزاري التالي للثقة أشبه بالعرف الذي كرسته الممارسة العمليّة، في ذات الوقت الذي يرى فيه البعض أنه يخالف المنطق بعد أن حصلت الحكومة على ثقة النواب بتركيبتها.

وفي الحقيقة أن الحكومة الحاليّة قد قطعت عرفاً دستوريّاً مستقرّاً تواترت سابقاتها على القيام به إذ دأبت الحكومات على وضع إستقالتها بين يدي جلالة الملك تلو إعلان نتائج الإنتخابات النيابية المجراة في عهدها بحيث يعاد تكليف ذات الرئيس بتشكيل الحكومة التي تليها، وهذا ما لم يكون.

وفي مسألة التعديل، أعلن مركز ( راصد ) يوم أمس بأن ( ٤٤٪؜ ) من الأردنيّين يؤيدون إجراء تعديل على الحكومة ممّا يمهِّد الأرضية لإجراء التعديل لكن أيّ تعديل ؟

هل هو الموسَّع ؟ أم الترشيقيّ ؟ أم الخاضع للإعتبارات الديموغرافية ؟

فمنطق الأمور يقضي بأن هذه الحكومة تستعدّ الآن لخوض غمار المعترك السياسيّ وإدارة شؤون الدولة لأربعة سنوات قادمة، قد تستطيع إكمالها وقد لا تستطيع كما حدث ما بعض سابقاتها، وهناك من يرى بأن مائة يوم غير كافية للحكم على حكومة وهذا صحيح، لكنها صالحة لتقييم نشاط ورؤى الوزراء ودرجة الإنسجام في الإداء بين أعضاء الفريق، وهنا نأتي للإجابة عن السؤال الأخير، كم ستبلغ سعة مجلس الوزراء بعد التعديل؟

فالسواد الأعظم يميل إلى الترشيق، وهناك من يقارن عدد الحقائب المفترض بديموقراطيات لديها من المؤسسيّة ما لا نملك بعد، لكنّ عدد الطاقم الحكوميّ ليس بالمهمّ – برأيي – إذا نجح بإنتاج جديد وعمِل منجسماً مع بعضه البعض، فلم تعد المخاوف متوفّرة في مسألة إستحقاق التقاعد بعد تعديل قانون التقاعد المدنيّ، مع ضرورة التأكيد على أن الوزراء لا يمتلكون من الإمتيازات العينيّة ما قد يمتلكه غيرهم من العاملين في قطاعات أُخرى وهذه حقيقة نعرفها جميعاً، لذا فالأصوب هو عدم النظر إلى حجم الطاقم وكُلفته بل النظر إلى إنتاجيّته.

وهذه فرصة لدعوة الحكومة إلى التخلّص من المكبّلات التقليدية التي تحاصر الحكومات نفسها بها مُغلِّبة العامل الديموغرافي على التكنوقراطيّ – رغم إيماني المطلق بسياسية الموقع الوزاريّ – فالأعراف التي تحكم تشكيلة الحكومات تقيّدها بضرورة الإستعانة بوزراء من أصول ومنابت معيّنة وبقدرٍ معيّن، ومع قناعتي بعدم ضرورة ذلك لكن وعلى الوجه الآخر على الحكومة ألّا تخشى إستقطاب أكثر من شخص تعود جذوره لذات الأصل أو المنطقة طالما أن هناك فائدة مرجوّة من ذلك، فتلك هي إحدى القيود التقليدية التي جعلت من رؤساء الحكومات أسرى لممارسات حكمتها الأعراف دون مسوّغات منطقيّة.

خلاصة القول، لا نريد للتعديل أن يكرّس العرف شكلاً فقط بل الهدف هو المضمون، ونأمل كذلك بأن نطالِع التعديل المرتقب بأكبر قدر من الموضوعية بعيداً عن النزعات سعياً نحو نجاح مهمّة الحكومة – أيّ حكومة – فذلك نجاح للوطن بصرف النظر عن شخوصها.

إن إستحقاقات المرحلة المقبلة تفرض طبيعة رسمية خاصة ديناميكيّة تمتاز بالتفكير خارج الصندوق، فلم يعد في الوقت ترفٌ يسمح بتكرار الأخطاء أو تبريرها، وعلى أصحاب الشأن أن يخلُصوا إلى توليفة تحافظ على بيروقراطية الدولة في مفاصل معيّنة وأن يثوروا عليها في مَواطن أُخرى، أي أنّنا ننتظر تعديلاً جريئاً يجذب الأنظار ويشحذ الهمم نحو مستقبلٍ مُختلف، فهل سنراه أم أنّه سيبقى في قائمة الأماني ؟!

التعليقات مغلقة.