صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من جديد على مفترق الخيارات

من جديد تجد الحكومة نفسها على مفترق وسط ضغوط متضاربة تدفع من جهة للتشدد في الإجراءات والتوجه لمزيد من الإغلاقات لمحاصرة الاتجاه الصاعد لعدد الاصابات بينما تضغط كل القطاعات الاقتصادية لتنحية سياسة الاغلاق كليا والمضي قدما في فتح جميع القطاعات. والحق ان الرأي العام الشعبي كما نرصده اصبح منحازا ضد الإغلاق وقوبل قرار حظر الجمعة الى جانب الإغلاق في التاسعة مساء كل الأيام قوبل بالتنديد والناس تريد الاكتفاء بإجراءات الوقاية فقط مثل الكمامات والتباعد ويتغذى هذا الموقف اللامبالي تجاه العواقب على ما يبث من ادّعاءات عن استثمار الحكومات للخوف من كورونا للتسلط والقمع وما زالت نظرية المؤامرة تجد آذانا صاغية ويستمر على وسائل التواصل  تداول معلومات لا اساس لها ولا مصدر حقيقي لها، وكل يوم نقرأ كلاما كاذبا ومختلقا منقولا على لسان شخصيات دولية يشوش على الحقيقة التي لمسها الجمهور عندنا اخيرا حين وصل معدل الاصابات اليومية الى عدة آلاف وحين لم يبق شخص إلا ورأى اقارب وأصدقاء ومعارف من كل الاوساط والأعمار يموتون.
انا اطرح اليوم على نفسي السؤال لمن أنحاز؟ وأجد حيرة كبيرة حين اقلب الموقف بأقصى قدر من الموضوعية! فأنا مع الانفتاح واستبعاد خيار الاغلاق نهائيا وفي كل الظروف. لكن هذا قد يعني تمدد الوباء خارج السيطرة. ولنجعل العلم والخبرة مرجعيتنا وليس الأهواء. فعلميا وإحصائيا كل ساعة اغلاق او فصل بين الناس يقابلها أثر مباشر في الحد من الاصابات وهناك تناسب رقمي وإحصائي اصبح معروفا ومقررا في هذا المجال. فإذا أخذنا بالسيناريو الذي ينحاز له حتى بعض المسؤولين في الحكومة كما معظم ممثلي القطاعات الاقتصادية وهو العودة الكاملة للنشاط في كل القطاعات تاركين للناس أن يتحملوا مسؤوليتهم عن سلوكهم الشخصي فهذا يعني حتما توسع الاصابات لتصل الى اكثر من عشرة آلاف يوميا وطبعا زيادة الوفيات وزيادة الطلب على المستشفيات وأسرة العناية الحثيثة فوق ما هو متوفر. والمؤكد أننا سندخل مرحلة اعادة المرضى حتى من هم في حالة حرجة ويحتاجون الى اجهزة التنفس الاصطناعي الى بيوتهم ! هل يقبل الجمهور بذلك؟ هل سيقبل الاردنيون الذين يأتون بالأعزاء عليهم الى المستشفى بحالة حرجة ان يتم ردّهم على اعقابهم ويقال لهم دع أحبتكم يموتون بين ايديكم ؟! قد يقول البعض انه يقبل في معرض الدفع لترجيح خيار الانفتاح الكامل لكن الحقيقة انه لن يقبل ابدا.  وانا شخصيا لا اتخيل ولا اقبل الا ان يبذل أحسن الاطباء أقصى جهد وحتى الثانية الأخيرة لإنقاذ فرد من عائلتي ويقيني ان هذا حال الناس جميعا.
لقد وصل الأمر في بعض الدول مرحلة اعادة المرضى عن ابواب امستشفيات ليموتوا في بيوتهم حين داهمتهم  الجائحة في موجتها الأولى وقامت دول مثل ايطاليا وغيرها بوضع معايير لأولوية الادخال وترك الآخرين يموتون في بيوتهم. فهل لدينا ثقافة تقبل هذا المعايير ناهيك عن سلامة تطبيقها !! وهل لدينا من يقبل بأي تمييز لمصلحة اي كائن في الدنيا وضمن اي معاييرعلى حساب أحبته هو؟!
قد تفكر الحكومة في خيارات وسيطة ولنقل ابداعية وخلاقة بين الانفتاح والاغلاق تتمفصل ضمن ترتيبات معقدة بين الاغلاق واستمرار العمل لكن هيهات في التطبيق على الأرض ان تتماشى الممارسة العملية مع الخطط النظرية؟!الدستور

التعليقات مغلقة.