صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التشكيك في الإصلاح الاقتصادي

برامج الإصلاح الاقتصادي يجب ان تكون وليدة قناعة جهاز الدولة الرسمي بالإصلاح والتطوير والتحديث، لا ان تكون وليدة حاجة الخزينة للأموال أو وقت حدوث أزمات اقتصادية وتراجع في إيرادات الدولة.

أي مبادرة اقتصادية أو خطة أو إجراء اقتصادي صادر من الحكومة لا اقصد هذه الحكومة وإنما من أي حكومة سيكون ردة الفعل عليه من مختلف الجهات بالرفض والتشكيك وعدم القبول.
السبب في ذلك هو القناعة الرسمية في مأسسة الإصلاح الاقتصادي الذي لا تتحرك باتجاهه الحكومة سوى في أوقات الأزمات الاقتصادية، وان كانت بعض عناوين الإصلاح والخطط سليمة، لكن توقيت تنفيذها يجعلها على الدوام معرضة للرفض.
فالتخاصية سياسة اقتصادية تعطي إدارة النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص، في حين تبقى الدولة تنظم وتراقب العملية الاقتصادية، وهذا جزء أساسي من الاقتصاد الحر، لكننا في الأردن عندما طبقت إستراتيجية الخصخصة طبقته على إثر أزمة اقتصادية حادة أدت إلى انهيار وشيك للاقتصاد الوطني في سنة 1989، حينها كان أحد عناصر اتفاق التصحيح مع صندوق النقد الدولي هو تسريع وتيرة التخاصية بهدف توفير إيرادات جديدة للخزينة تمكنها من الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين الذين لم تعد المملكة قادرة على سداد مديونيتها بعد أزمة الدينار، لذلك أتت التخاصية لسد حاجة الخزينة بالأموال وليس لتطوير الإدارة والنهوض بالأنشطة الاقتصادية المختلفة.
الإصلاح الضريبي الحاصل بعد سريان العمل بتنفيذ القانون الأخير في سنة 2019 هو جزء مهم أيضا في مسيرة الإصلاح الاقتصادي، لكن أيضا توقيته فرض في وقت يعاني الاقتصاد من تباطؤ حاد في معدلات النمو الاقتصادي وتنامي المديونية والبطالة وانتشار جيوب الفقر، لذلك كل عوائد الإصلاح الضريبي لا تخدم اليوم المسيرة بالشكل المطلوب بقدر ما هي توفر مزيدا من المخصصات المالية التي تذهب لسد نفقات تشغيلية لا أكثر، ففائدتها على البيئة الاستثمارية ضعيفة، وعوائدها للخزينة أيضا ضعيفة، فكل ما يأتي منها يذهب للرواتب والعلاوات ولا تستفيد من أي زيادات تحصيلية ضريبية في تمويل مشاريع رأسمالية في الموازنة تدر دخلا إضافيا على الخزينة في المستقبل.
سياسات الدعم في كل اقتصادات العالم سواء الحر أم الاشتراكي بأشكال مختلفة، بينما اتخذت الحكومات المختلفة سياسة إزالة الدعم عن معظم أشكال السلع والخدمات تقريبا في أوقات صعبة ماليا تعيشها الخزينة، لذلك الحجج التي كانت تسوقها الحكومات بأن إزالة الدعم يهدف إلى إيصال الدعم إلى مستحقيه من جهة، وإزالة تشوه مالي يؤثر على العجز من جهة أخرى، لم يلق قبولا في الشّارع، والسبب ان النتائج هي الحكم في النهاية، فالدعم زال، والعجز ازداد، والمديونية والفقر في ارتفاع، ولم يتحقق الهدف الأساسي والمعلن من إزالة الدعم.
ثقة المواطن بالخطاب الاقتصادي الرسمي مفقودة، والأمثلة السابقة تعزز فجوة الثقة، وهناك قصص كثيرة على سلوكيات اقتصادية رسمية كان هدفها التعلم، والنتائج جاءت مخالفة لما تم إعلانه، بل معاكسة، ولم يتم محاسبة المقصرين في ذلك.
برامج الإصلاح الاقتصادي يجب ان تكون وليدة قناعة جهاز الدولة الرسمي بالإصلاح والتطوير والتحديث، لا ان تكون وليدة حاجة الخزينة للأموال أو وقت حدوث أزمات اقتصادية وتراجع في إيرادات الدولة.

التعليقات مغلقة.