صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الاستثمار في الأمن الغذائي

الوقت يمضي، وهناك هلع في الأسواق العالمية وطلب شديد على تخزين السلع والمواد الأولية في الدول الكبرى، ولا يمكن للأردن ان يبقى ينتظر ما سيحصل في الأسواق حتى يتحرك، فجنون الأسعار بات خطيرا

منذ بداية جائحة كورونا، والملك شخصيا ينادي بمسألة الأمن الغذائي وزيادة الاعتماد على الذات، إدراكاً منه ان العالم ما بعد كورونا يختلف تماما عن قبلها، فماذا أعدت الحكومة لذلك؟
بداية يسجل لوزارة الصناعة والتجارة ومنذ الأشهر الأولى للجائحة قيامها بتنفيذ التوجيهات الملكية بهذا الخصوص من خلال زيادة المخزون الاستراتيجي للمملكة من القمح، وتخزين كميات كبيرة من هذه المادة الاستراتيجية لتغطي الاستهلاك المحلي لأكثر من عام وشهرين تقريبا.
باقي المواد للأسف الشديد بقيت وفق آليات العرض والطلب في الأسواق، وجزء كبير منها لدى القطاع الخاص بأسعار عالمية لم يتم التعاقد الرسمي عليها وسحب الكميات وفق العقود، مما يعني ان الكميات ستبقى عند المستوردين، واذا أرادت الحكومة كميات جديدة من تلك المواد الأساسية (أرز، سكر، ذرة، زيوت وغيرها) فعليها التعاقد بأسعارها الجديدة، ولا توجد أصلا لدى الجهات الرسميّة أماكن لتخزين مواد إضافية سوى بعض المستودعات التخزينية للمؤسسات المدنية لبعض السلع، أما التخزين الاستراتيجي لمواجهة الطوارئ فهو أمر غير موجود لدى الحكومة، لكنه موجود لدى القطاع الخاص الذي استثمر في هذا الاستثمار النوعي الاستراتيجي.
قبل أيام قليلة اطلعنا برفقة مسؤولين من القطاعين على احد مشاريع التخزين المبرد في المملكة الذي يشكّل نقطة استمرار محلي نوعي على صعيد تعزيز الأمن الغذائي، ودعم توفير المواد الأساسية في مختلف الظروف.
الاستثمار في التخزين المبرد وغيره من التخزين هو الشكل الجديد للاستثمار في الأمن الغذائي في هذه المرحلة فهو الضمانة الأساسية لتوفير السلع تحت مختلف الظروف، وهو القادر على امتصاص فائض الإنتاج المحلي من السلع المنتجة والتي قد يذهب الكثير منها أدراج الرياح في حال عدم توفر تخزين لها كالمنتجات الزراعية التي قد تباع بأقل من كلفها في بعض المواسم، فالتخزين يحمي المنتجين والمستهلكين معاً.
الاستثمار بالتخزين المبرد هو وسيلة وقائية ناجعة لتوفير سلع وبأسعار معتدلة لتجنب فروقات زيادات الأسعار الموسمية، فيخفف من تداعيات جنون الأسعار العالمية وانعكاساتها على المواطنين، ففي الأردن اليوم قطاعات تنتج أكثر بكثير من احتياجات السوق المحلية مثل قطاع الدواجن وبعض المنتجات الزراعية، وبالتالي في حالة عدم وجود أماكن مجهزة للتخزين الخاص فإن هذه السلع سوف تفقد في الأسواق.
حتى المستوردات من السلع الغذائية والمواد الأولية ذات الأهمية الاستراتيجية مثل الحبوب ومستلزمات الإنتاج الغذائي المختلفة، باستطاعة الدولة تمكين القطاع الخاص من تخزينها بالكميات التي تحميه من تقلبات الأسعار ونقص الكميات، وهذا ما يجري اليوم في العالم من تسابق محموم على تخزين المواد الأساسية والأولية من الدول الغنية خاصة في الصين وأوروبا وأميركا.
في الأردن هناك استثمار محدود في قطاع التخزين المبرد، ولكنه ناجح على مستوى المنطقة، وعقبات التوسع موجودة ضمن قانون تشجيع الاستثمار الذي يحظر على المستثمر في هذا القطاع مبدأ التأجير للغير، وهو ما يتنافى مع الهدف الأساسي لفكرة هذا المشروع الاستراتيجي، فاذا أراد المستثمر بناء مخازن مبردة وفق قانون الاستثمار فإنها فقط تخصص لاستعماله الشخصي، ولا يمكن له ان يقوم بتأجير هذه المخازن لغيره واستعمالها للتخزين وإلا ستفرض عليه غرامات باهظة تحت مسمى مخالفة قانون تشجيع الاستثمار، وهذا أمر غير منطقي، فما هو الاستعمال الشخصي الذي سيغطي مخازن مبردة تتسع لآلاف الأطنان من البضائع المختلفة.
الوقت يمضي، وهناك هلع في الأسواق العالمية وطلب شديد على تخزين السلع والمواد الأولية في الدول الكبرى، ولا يمكن للأردن ان يبقى ينتظر ما سيحصل في الأسواق حتى يتحرك، فجنون الأسعار بات خطيرا، وهناك نقص بدأ يظهر في عدد من السلع، وبالتالي الحكومة مطالبة بالإسراع في تسهيل عمليات التخزين المبرد وغيره من التخزين ومنحه التسهيلات والإعفاءات الضرورية في هذه المرحلة تحديدا لغايات تأمين احتياجات البلاد من السلع الضرورية وغيرها مما يحتاجه المستهلك والمنتج معاً.

التعليقات مغلقة.