صحيفة الكترونية اردنية شاملة

البطالة وخطورة الموقف

أجزم صراحة أن ما يقوم به الآن وزير العمل من مبادرات لتعزيز مبدأ التدريب والتشغيل للأردنيين بالتعاون مع القطاع الخاص، وتغيير النظرة التقليدية في التعامل مع تصاريح العمل وربطها بتشغيل أردنيين، هو خطوات مهمة وحيوية في محاربة البطالة

وصول مُعدّلات البطالة الى ما نسبته 25 % في الربع الأول من العام الحالي ينذر بخطر كبير يهدد أمن المجتمع، ولا يوجد في الحقيقة أخطر من تنامي البطالة بهذه الصورة التي تشكّل فعلا كابوسا حقيقيا على الاستقرار والسلم العام.
هذه النسبة الكبيرة للبطالة مرشحة للارتفاع خلال الأشهر القليلة المقبلة لأسباب كثيرة، فهناك فصلان دراسيان على الأبواب، وكُلّ فصل يتخرج منه على أقل تقدير 35 ألف خريج من مختلف المستويات التعليميّة والمهنية، من أصل 156 ألف خريج في العام الواحد ينتظرون دورهم للدخول في سوق العمل، جزء كبير منهم إن لم تكن غالبيتهم خريجو تخصصات أكاديمية ليس لها أي علاقة بمتطلبات سوق العمل الراهن، ناهيك عن ان القطاع العام الذي كان في السابق يستوعب جزءا من هذه التخصصات، بات اليوم عاجزاً عن استقبال أي طلبات جديدة للتوظيف لديهم، فهو قطاع مشبع، ويتجاوز العاملون فيه أكثر من 50 % من احتياجاته الفعلية، لذلك لا يوجد اي مجال للتوظيف الجديد خاصة في ظل وجود طلبات توظيف في ديوان الخدمة المدنية تناهز الـ400 ألف طلب، مما يعني مزيداً من أعداد المتعطلين في الأشهر المقبلة.
هذا ولا ننسى ان دول الخليج العربي المستقبل الأكبر للأردنيين باتت لدى معظمها سياسات لتوطين عمالتها المحليّة بدلاً من الوافدة، إضافة إلى وجود تحديات اقتصاديّة متعددة باتت تحيط باقتصادياتهم، مما تعني محدودية التوظيف عندهم خلال المراحل المقبلة.
خطورة الموقف في تنامي البطالة هو التوظيف السلبيّ الذي قد يستخدمه البعض خاصة من أولئك الشعوبيين الذين يستغلون احتياجات الناس المعيشيّة ويجعلونها أولويات خطاباتهم الرنانة للتسلق على ظهورهم وتحقيق مآرب شخصية، وقد يؤدي هذا الأمر إلى زعزعة حقيقية للأمن والاستقرار في المجتمع وتوليد خطاب كراهية لجيش كبير من المتعطلين.
أمام هذا المشهد الصعب الذي يُشكّل كابوساً حقيقياً على المجتمع يكون دور الحكومة في ان تجعل قضية البطالة هي عنوان تحركها الاقتصاديّ الرئيس بالشراكة مع القطاع الخاص، ولا أبالغ إن قلت إنه لا يوجد أي حل أمام الحكومة لمواجهة هذا التحدي الخطير سوى اللجوء للقطاع الخاص ليكون هو المشغّل الرئيس للأكاديميين المتعطلين عن العمل.
هذا الأمر لا يحل بالعناوين الفضفاضة، وإنما ببرامج عمل مستدامة تربط بين الحوافز والإعفاءات للقطاع الخاص، مع تدريب وتأهيل وتشغيل أردنيين لديهم، وهذا يجب ان يكون منصوصا عليه بالقانون، وتكون الأمور واضحة، فمن يريد الإعفاءات عليه توظيف الأردنيين.
الامر ليس محصوراً بالنقطة السابقة، بل يجب تشكيل ثقافة مدرسية وجامعية لتغيير ثقافة العمل وتعزيز نظرة المجتمع لمختلف الأعمال التي من واجب الحكومة التعامل مع المهن المختلفة من خلال تعزيز حقوق العاملين فيها من ضمان وتأمين صحي وغيرها من الأمور التي تزيد من قابلية العمل فيها للأردنيين.
أجزم صراحة أن ما يقوم به الآن وزير العمل من مبادرات لتعزيز مبدأ التدريب والتشغيل للأردنيين بالتعاون مع القطاع الخاص، وتغيير النظرة التقليدية في التعامل مع تصاريح العمل وربطها بتشغيل أردنيين، هو خطوات مهمة وحيوية في محاربة البطالة وتغيير نظرة المجتمع للعمل التقليدي غير المكتبي، والكل بحاجة إلى ان تتضافر كافة الوزارات في نفس الرؤية، وان تكون هناك تفاهمات داخل الحكومة لما تقوم به وزارة العمل من جهود جبارة وغير مسبوقة في التوظيف والتدريب والتشغيل، فالمسؤولية مشتركة على كاهل الحكومة التي من المفترض ان تبادر بسرعة إلى إطلاق خطة وطنيّة متكاملة لهذا الأمر من خلال التدريب والتوظيف بالتعاون والشراكة الكاملة مع القطاع الخاص، وغير ذلك لا يمكن ان تحل مشكلة البطالة.

التعليقات مغلقة.